في عام 1996، التقى العملاقان، الشاعر السوري عبدالناصر الحمد والفنان العراقي سعدون جابر في سوريا، ليخرج من رحم ذلك اللقاء، أحد أشهر الأعمال الغنائية الخالدة للجابر، وهي الأغنية التي حملت عنوان «عشرين عام».

تقابل القامتان في لقاء عابر، ليهدي عبدالناصر لسعدون ديوانه الشعري «دفتر الموليا»، فتش الثاني بذائقته الفنية بين عناوين الديوان، حتى استقر به الاختيار عند «عشرين عام».

لم يكن اختيار سعدون للقصيدة عبثًا أو بمحض الصدفة، فكاتب القصيدة كان يجد في كلماتها عزاءً للعلاقات التي كانت في أسوأ حالاتها بين البلدين آنذاك، والتي استمرت زهاء 20 عامًا من الخلافات، وهنا اقتنص سعدون الفرصة، ليقوم بعملية أشبه بالتجسير الفني بين البلدين.


إزالة اللبس

يقول الفنان سعدون جابر في حديثه لـ«الوطن» حول الجدل الدائر بشأن المقصود من هذه القصيدة، إنه من الضروري إزالة اللبس الحاصل لدى البعض، فيما يتعلق بمناسبة القصيدة، فهناك من يدعي أنها تجسد قصة الفارس الإغريقي «اوديسيوس» بعد أن عاد إلى مملكته «ايساجا»، حيث كانت تنتظره زوجته «بين لوبي»، وقد عبر حينئذ عن رحلته الطويلة بجملة «عشرين عام»، والصحيح أن كاتب كلماتها سطرها من أجل غاية واحدة، وهي عودة العلاقات بين البلدين بعد ذلك الفراق المرير، وهو ما أكده لي الشاعر عبدالناصر الحمد.

براعة ودهاء

أبدع سعدون جابر بصوته العراقي الشجي، أداءً وصوتًا وروحًا وهو يتنقل بين المقامات ببراعة وتمكن، ليرفع من مقام الأبيات إلى مستوى الجمال، وأمثال سعدون لا يرتضي بغير الإبداع، سيما وأنه الصوت الذي تأثر بمدرسة عبدالحليم حافظ وحضيري أبو عزيز وعبد الأمير الطويرجاوي، وتوج ذلك التأثر بالتأصيل العلمي، حاصلا على الماجستير في «الأساليب الغنائية في جنوب العراق»، والدكتوراه التي كان عنوان رسالتها «أغاني المرأة العراقية».

المطرب الكبير

ولد المطرب العراقي سعدون جابر 1950 في مدينة العمارة (جنوب العراق)، وعاش وترعرع في مدينة بغداد، تأثر في بداية حياته الفنية بمجموعة من أبرز الفنانين العراقيين والعرب، أمثال حضيري أبوعزيز وداخل حسن وصولا إلى ناظم الغزالي، أحد أهم مجددي الأغنية العراقية.

أما على المستوى العربي فقد تأثر سعدون جابر كثيرًا بالمطرب الراحل عبدالحليم حافظ إلا أنه لم يكن معروفًا بالقدر الكافي، حيث اكتفى بالغناء في بعض الجلسات، ولكن من الواضح أنه كان يسعى للوقوف على أرضية صلبة، حتى ظهر في برنامج يرعى المواهب الغنائية بعنوان (ركن الهواة) من تقديم كمال عاكف منتصف الستينيات، وشارك في تلك الفترة إلى جانبه أصوات شابة أخرى، أصبح لهم شأن في مسيرة الأغنية العراقية مثل الدكتور فاضل عواد، والنفان الراحل عارف محسن، فجذب صوته الأنظار إليه.

في بداية السبعينيات تبناه فنيًا الملحن كوكب حمزة ولحن له أغنيته الأولى في بداية السبعينيات «أفيش»، الذي كتب كلماته الشاعر الراحل كامل العامري، ونالت هذه الأغنية شهرة جماهيرية واسعة، واستغل نجاح هذا التعاون مع الملحن كوكب حمزة بأغنيته الأكثر إبداعًا وشهرة، وهي أغنية «الطيور الطايرة» للشاعر زهير الدجيلي، وهي الأغنية التي سطرت نجومية سعدون جابر، وجعلته نجمًا في سماء الأغنية العراقية والعربية، وأصبح المطرب العراقي الأكثر شهرة بعد المطرب ناظم الغزالي.

عشرين عام

قلي اش جابك علي ويش ذكرك بينا

عشرين عام انقضت وانت اللي ناسينا..

شيبنا شوف الشعر لونه اش عمل بينا

ذكرتنا بالزغّر وأيام منسيه..

قولي اش جابك علي بعد الجرا والصار

لامتني كل العرب صغارها وكبار..

يا ما انتظرنا ومشى بنا العمر حدر

والقمر مل السهر ودع شواطيا..

بياع من يشتري حلمي ومواويلي

ينطيني قلبه الخلي وياخذ سهر ليلي..

مليت من حسرتي واللي هدم حيلي

بيعوني تالي قلب ما ضل قلب ليّه..