حين أعلنت وزارة الثقافة والإعلام في مارس 2008 إطلاق جائزة موسمية للمسرح تمنح كل سنتين بالتزامن مع مهرجان المسرح السعودي. ابتهج المشهد الثقافي، وراح يستعيد سيرة علم من أعلام الأدب والصحافة والفن، وعلا من جديد نجم (شيخ الصحافة السعودية) أحمد السباعي.

في يوم بعيد، يقف عند تخوم بداية الستينيات الميلادية من القرن الماضي، أغلق الرائد (أحمد السباعي 1905 – 1984) باب الصالة الكبيرة التي أعدها لتكون مسرحا في محلة (البيبان) بجرول شمالي غرب مكة، وطفق يمارس ضحكا هستيريا بصوت عال جدا، أثار دهشة ابنه (أسامة) الذي روى لي الحكاية وعلق بأن والده أديب مكة الكبير الذي دون تاريخها الاجتماعي في سفره الثمين (تاريخ مكة)، لم يجد سبيلا للسيطرة على وجعه وصدمته حيال إجهاض حلمه المسرحي آنذاك إلا بممارسة الضحك المكثف، كعلاج نفسي بهي لألمه.

في السادس عشر من مارس 2008 والرياض تحتفل بعودة مهرجان المسرح السعودي بعد توقف غير مفهوم وما لبث أن عاد للتوقف ثانية! بدا كأن ضحكات السباعي تتداعى مرسلة من البيبان قاطعة صحراء النفوذ لتعم كل أصقاع الجزيرة ابتهاجا بعودة (أبو الفنون) وبواسطة جهود مقدرة، تسعى لأن ترى، عبر ضباب واقع الفن العربي الذي تتنازعه تيارات واجتهادات وصعوبات وتحديات أفضت بإرجاع تأثيرات الفنون في المجتمعات للخلف، وأعلت أنماطا تروم المسلي والمرفه حد التضليل والتتفيه، حيث أعلن وزير الثقافة والإعلام السابق إياد مدني إطلاق جائزة مسرحية على مستوى الوطن تحمل اسم الرائد أحمد السباعي.

وكلمة رائد تحيل بالضرورة إلى زمن السباعي، حين كان يشتهر بلقب (شيخ الصحافة) نظرا لانغماسه واهتمامه وهو الأديب بالشأن الصحفي، وتأسيسه أكثر من صحيفة في بدايات الدولة السعودية، زمن صحافة الأفراد، حيث أسس مطابع الحرم، وأسس صحيفة الندوة، ومجلة قريش، ورأس تحرير الصحيفة السعودية الأقدم (صوت الحجاز) فترة من الزمن.

هو بالتأكيد علم ينتمي لتلك الكوكبة من الأدباء والمثقفين الذين عاصروا حقبة الهاشميين، ثم نشأة الدولة السعودية الحديثة، وتلك حقبة كان الأديب فيها محققا لامتدادات المثقف العربي التراثي الذي يوزع جهده ونتاجه ما بين الكتابة النثرية بمختلف فنونها من مقالة وقصة ونقد، وبحث ودراسات، وفي هذا الفن الأخير تجلى السباعي في إنتاج دراسة تعد الآن من أهم مراجع العصر الحديث التي بحثت في تاريخ مكة، ألا وهي كتابه (تاريخ مكة، دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران)، ويظهر الكتاب الذي تعددت طبعاته حتى قاربت العشر، الشخصية العلمية للباحث المحقق أعلى قدر ممكن من المنهجية.