في أداء أنتوني هوبكنز سحر، وفي حضوره بهجة وألفة ووقار الموهبة الكبيرة، "هوليود" تطلب مقاييس تجارية لأبطالها.. شباب ووسامة ولياقة توم كروز وبراد بيت أمثلة بارزة على النزعة السوقية، فهما ورغم سنواتهما الطويلة لم يحققا حضورا محترما.. كل ما في الأمر مجرد ومضات لا يعتد بها، لكن هوبكنز على النقيض من ذلك كله.. مدرسة تعبير وحضور ذهني متقد ومتجدد، تأسيسه المسرحي الإنجليزي واضح في كل شخصية يرتديها، الكاميرا أمامه خشبة مسرح، تنبأ لورنس أوليفيه عبقري الشكسبيرية لذلك فمنحه تبريكاته الأبوية قبل أن يرحل متأخرا لهوليود ويحصد نجوميتها في "صمت الحملان" 1991 وهو يجسد ذلك القاتل التسلسلي والمثقف، لكن ذات النزعة التجارية أرغمته لتقديم جزأين آخرين من تلك الشخصية وإن بشكل نسبي "هانيبال" 2001 و"التنين الأحمر" 2002 مع رالف فينيس، لكن التنوعات الأخرى للرجل تقول إن الموهبة أكبر من أن تكبت أو توضع في قالب أحادي.. لذا تألق في شخصية المحامي المتقاعد في "أميستاد" 1997 والاختصاصي البيطري في "الغريزة" 2003 وكذلك في شخصية الرئيس نيكسون 1996 كما نقل عقد وتقلبات الرسام الشهير بيكاسو في فيلم شهير عن حياته الأمر الذي منحه جائزة الأوسكار أربع مرات، وأخرى أقل قيمة في مناسبات عدة.

أهم ما في سيرة هوبكنز أنها تعطي دلالة على أن الفن شغف لا يقف عند سن، ولا يحد بعمر، لذا ما زال يلغي عبر حضوره المتوقد فكرة النجم الشيخ والموهبة التي تتآكل بفعل الزمن.. ومرد ذلك ربما لتأسيسه المسرحي القوي، وهذا ما لم يعد حاضرا، الأن المسألة لم تعد تتطلب مثل هذا الشرط، وصناعة السينما مشتعلة ولا تتوقف عند مثل هذا الشرط الكلاسيكي، لكن الرجل متألق حتى وهو يقف على مشارف الخامسة والسبعين، كأيقونة حقيقية وحية واثبة تجددها التجربة وتصقلها الخبرة المتراكمة لتشع في كل ظهور وتبهر متابعيها.