بدأ الاتجاه نحو الاهتمام بالعلوم الإسلامية والقرآن في ألمانيا، قبل نحو مائة عام حيث وضع جولد تسيهر وثيودور نولدكه آنذاك دراساتٍ حول مرحلة صدر الإسلام وحول القرآن ونشوء الشريعة الإسلامية، وهي دراساتٌ لا بدَّ من أخذها بعين الاعتبار حتى اليوم. وتـَتابع أنجيليكا نويفيرث منذ عدة سنوات البحث في هذا المسار كاستمرارية لمرحلة ازدهار هذه البحوث من جانبٍ مختلفٍ جدًا، وذلك في عدة مؤسساتٍ نذكر منها هنا «أكاديمية برلين - براندنبورج للعلوم»، حيث تعرض أنجليكا نويفيرت المختصة بالدراسات العربية تحت العنوان البرنامجي «القرآن باعتباره نصًا من أواخر العصور القديمة، ومعها مجموعة شابة من الباحثين في القرآن تـُشرف هي عليه في الأكاديمية.

التفسير النموذجي

تعمل الباحثة البارزة في علوم العربية و القرآن أنجيليكا نويفيرث في توضيح علاقة القرآن بالعصور القديمة المتأخرة، وكيف تجلى القرآن وأبهر العالم، وتبين في كتابه المعنون بـ «كيف سحر القرآن العالم» عبر مقاربة معاصرة لرؤية كلاسيكية لفهم القرآن، كيف يتجلى «القرآن باعتباره نصًا من أواخر العصور القديمة»، لافتة إلى التفسير النموذجي للقرآن مع النص غائيًا، وأنه نتاج مجتمع معين في أواخر شبه الجزيرة العربية القديمة، مجتمع تعرض للعالم الأوسع من خلال هيمنة الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية، والتقاليد الفكرية الغنية لليهودية الحاخامية، والمسيحية المبكرة، والغنوصية.

سد الفجوة

الهدف الأساسي للكتاب هو إزالة مفهوم أن القرآن غير تاريخي. وتجادل بأنها، في الواقع، تدرك تمامًا مكانته في أواخر العصور القديمة وأنها قادرة على تقديم معلومات تاريخية قيمة، من خلال التأكيد على قدسية القرآن، وتسمح نويفيرث للقراء برؤية النص كتقليد شفهي متطور داخل المجتمع قبل أن يتم جمعه وتدوينه في شكل كتاب. يلقي هذا التحليل الضوء الذي تشتد الحاجة إليه على تطور النظرة التاريخية واللاهوتية والسياسية للقرآن. كما تحلل الفصول الأخيرة من الكتاب علاقة القرآن بالكتاب المقدس، بالتقاليد الشعرية العربية، وبشكل أعم، بالثقافة القديمة والأشكال البلاغية المتأخرة. من خلال توفير مقدمة جديدة للقرآن، مقدمة تتحدى بشكل فريد الأفكار الحالية حول ظهوره وتطوره، وتؤكد أن القرآن وتتبع سحره وتأثيره في العصور القديمة المتأخرة، يعمل على سد الفجوة بين المقاربات الشرقية والغربية لهذا النص المقدس.

الإرث التاريخي

منذ العام 2007 تدير أنجليكا نويفيرت أستاذة الدراسات العربية في جامعة برلين الحرة مشروع «Corpus Coranicum» «نصوص القرآن»، الذي يَدرُس القرآن باستخدام الأسلوب التاريخي النقدي.

​​تبحث أنجليكا نويفيرت في القرآن ضمن نطاق صيرورة نشوئه، وقراءته كما فهمه معاصروه، باعتباره شهادةً على جدلٍ لاهوتيٍ مكثـَّفٍ في شبه الجزيرة العربية، لكن في بيئة ثقافية ودينية تركت ميسمها حتى على باقي منطقة البحر الأبيض المتوسط في القرن السابع الميلادي، وبالتالي وفي نهاية المطاف كذلك على المعتقدات الأوروبية حتى اليوم: «باعتبار أنَّ القرآن قد انبثق عن الجدل الذي كان قائمًا في أواخر العصور القديمة ومثل امتدادًا للتقاليد المسيحية واليهودية التي سبقته فهو ذاته جزء من الإرث التاريخي لأواخر العصور القديمة الذي ورثته أوروبا».

المنظور الجديد

هذه الطريقة في القراءة لا تفيد بالتأكيد في شرح الإسلام اللاحق أو شرح نظرة المسلمين المعاصرة إلى القرآن إلا بشكلٍ جزئي. أما قدرة هذا النهج فتكمن في إزالة سوء الفهم وكل الأساطير التي تسربت عبر القرون إلى تفسير القرآن الكريم سواء من جانب المسلمين أمْ من جانب الباحثين في العلوم الإسلامية. إذ ساد في الغرب اعتقادٌ لفترةً طويلةً بأنَّ الإسلام قد نشأ من اللاشيء، وبأن احتكاكه بالتقاليد اليهودية-المسيحية كان ضعيفا في أحسن الأحوال، وإنما احتكاكه كان بالأخص مع التقاليد العربية الوثنية القديمة. بيد أنَّ التبادل مع البيئة الثقافية كان في الحقيقية كثيفًا جدًا، كما يمكن تحديد جزءٍ كبير ٍ من التبادل إذا ما تمت قراءة القرآن باعتباره كتابا ليس منتهيا إنجازه، كما هو بين أيدينا اليوم، بل بالأحرى باعتباره نصًا رافق نشوء جماعة دينية جديدة. هكذا تلخص أنجليكا نويفيرت المنظور الجديد.

التخلي عن فكرة الثالوث


تنظر نويفيرت إلى القرآن بأنه مساهمة حيوية في النقاش ضمن مساهماتٍ كثيرة في أواخر العصور القديمة، ويشكل تحليلها نويفيرت لتاريخ صدر الإسلام بلا شكٍ إِثراءً للعلوم الإسلامية.

​​بدلاً من الافتراض التقليدي، بأنه كان هناك مبشرٌ من جهة، يواجِه مستمعيه أو قارئيه بالنص. وتقول «توفـِّر البسملة مثالاً جيدًا على ما سبق، حيث أنَّ وقع عبارة «الرحمن الرحيم» على الأذن الغربية فيها استفاضة أو زيادة عن الحاجة، وتبدو كأنها تأكيد على الصورة النمطية عن أسلوب التعبير الإنشائي لدى العربي. لكن هذا خاطئ. فنحن هنا أمام تعبيرٍ متوازي يتميز في الوقت ذاته بشدة عن الدعاء المسيحي: «باسم الأب والابن والروح القدس»،وتضيف: «البسملة إذا ليست شعرًا رديئًا، وليست نسخةً رخيصةً عن دعاءٍ مسيحي، إنما هي تُعلِن عن ابتكارٍ لاهوتي: فمع البسملة يتم التخلي عن فكرة الثالوث كما عن فكرة اعتبار المسيح ابن الله». كما تبيّن نويفيرت، وجود إمكانيةٍ لصياغة «نقدٍ» ذكيٍ قائمٍ على معرفةٍ راسخةٍ بدلاً من الأحكام المسبقة، وذلك بمفهوم نقد العقائد الإسلامية وأحكامها المسبقة. بيد أنَّ النتائج المبدئية لأبحاث مشروع «نصوص القرآن» المطروحة في الكتاب تكشف أيضًا عن حدود ومشاكل مشروعٍ كهذا. ويمكننا على سبيل المثال الانطلاق من أنَّ الأصولية الإسلامية لا تستطيع التعامل مع أبحاث كهذه.

شكل مفهوم

النتائج التي خرجت بها أنجليكا نويفيرت من أبحاث القرآن الجديدة لافتة، لكنها عصية على الفهم بالنسبة للجمهور الذي لا يملك معارف مسبقةً بالمادة، مع أنها ترجمت كل الآيات المقتبسة من القرآن، وشرحت باستمرار وضع الأبحاث والسياقات ولو أنها فعلت ذلك بشكلٍ مقتضب دائمًا، لكنَّ الشروحات والتفسيرات المجهرية لأدق دقائق النص لا يمكن أنْ يقدِّرها حق قدرها إلا أهل الاختصاص. بهذا الشكل تتجلى الدراسات الإسلامية في ألمانيا، لكن لا بدَّ من بذل جهدٍ إضافيٍ فيما يخص أسلوب إيصال هذه النتائج بشكلٍ مفهومٍ للجمهور.

أنجليكا نويفيرت

*مواليد 1943في نينبورج، ساكسونيا السفلى

*باحثة ألمانية في الدراسات الإسلامية

*أستاذة الدراسات القرآنية في جامعة Freie في برلين.

*درست الدراسات الإسلامية والدراسات السامية وعلم فقه اللغة الكلاسيكي.

*مدير المشروع البحثي Corpus Coranicum " نصوص القرآن" بين عامي 1994 و 1999

* المعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت وإسطنبول.

*تعمل حاليًا أستاذة في جامعة Freie في برلين وأستاذة زائرة في الجامعة الأردنية في عمان

* تركز أبحاثها على القرآن وتفسيراته والأدب العربي الحديث في شرق البحر الأبيض المتوسط

* عام 2011 تعينت عضوا فخريا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم

* عام 2012 مُنحت درجة الدكتوراه الفخرية من قسم الدراسات الدينية بجامعة ييل

من أعمالها:

*«الاستشراق في الدراسات الشرقية / الدراسات القرآنية مثال على ذلك».

* «نظرتان للتاريخ ومستقبل الإنسان: التصورات القرآنية والتوراتية للوعود الإلهية»

* القرآن والعصور القديمة المتأخرة: تراث مشترك.

* تحقيقات تاريخية وأدبية في المحيط القرآني.

* الكتاب المقدس والشعر وتكوين مجتمع: قراءة القرآن كنص أدبي.