وذلك بسبب محاولة منها لتفادي حرب نوويه مع روسيا – كما جاء في مقال كريستوفر دود وجون بيلنقر المنشور في جريدة الواشنطن بوست (22 أبريل ).
لذلك، قد تكتفي الولايات المتحدة بتقديم الدعم المالي، والدبلوماسي. وحيث إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، المحامي البريطاني كريم خان، بدأ في فتح ملف التحقيق وجمع المعلومات عن الاتهامات التي طالت القوات العسكرية الروسية والتي تدعي أن «جرائم حرب» و «جرائم ضد الإنسانية» قد حدثت – خصوصا بعد ما حدث في بوتشا، وهي أحد ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف – فإن الولايات المتحدة قد تكون طرفا في النزاع القانوني رغم أنها ليست من الدول الأعضاء الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998.
يقول آدم كيث، في مقاله المنشور بموقع Just Security: رغم أن الولايات المتحدة لم توقع على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية ولا تريد أن تكون عضوا بها – بسبب تحفظات أبدتها منذ تأسيس المحكمة في التسعينات – الا أنها يمكن أن تساعد المحكمة في التحقيقات من خلال: توفير حماية للشهود، وتقديم أدلة على الجرائم أو غيرها من المعلومات، وحث الحكومات الرئيسية على التعاون مع المحكمة، وتقديم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن المتهمين الهاربين.
السؤال هنا: لماذا المحكمة الجنائية الدولية (ICC) وليست محكمة العدل الدولية (ICJ)هي من تتصدر المشهد الدولي بالتحقيق في «جرائم الحرب» المزعومة ضد روسيا؟ في مقال على موقع الــBBC NEWS، ذكر دومينيك كاشياني أنه بينما تفصل محكمة العدل الدولية في النزاعات، فإن المحكمة الجنائية الدولية تحاكم الأفراد المتهمين في قضايا جرائم الحرب – أولئك الذين لا يمكن محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية. حيث إن المحكمة الجنائية الدولية جاءت خلفاً لمحاكمات نورمبرج، التي حاكمت قادة نازيين عام 1945.
وكما يذكر كاشياني، فإن محاكمات نورمبرج قد عززت مبدأ: «أنه يمكن للدول إنشاء محكمة خاصة لدعم القانون الدولي».
علاوة على ذلك، فإن اختيار المحكمة الجنائية بدلا من محكمة العدل الدولية قد يسهل تنفيذ الأحكام القضائية ضد المدانين.
إذ إنه في حال حكمت محكمة العدل الدولية ضد روسيا، فقد يكون منطوق الحكم هو أن: توقف روسيا العمليات العسكرية، وإعادة حدود أوكرانيا لما قبل الحرب وكذلك تعويضها عن الأضرار. ولكن، سيبقى تنفيذ الحكم القضائي مرهونا بموافقة ودعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وهذا ما يجعل تنفيذه ليس بالأمر اليسير لأن روسيا أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، وقد تستخدم حق النقض «الفيتو» ضد أي اقتراح لمعاقبتها.
بالمقابل، هذا لا يعني أن تنفيذ أحكام المحكمة الجنائية الدولية أمر يسير. إذ يعتمد على تعاون الدول الأعضاء معها للقبض على المتهمين ومحاسبتهم.
في حقيقة الأمر فإن اختيار المحكمة الجنائية الدولية بدلا من محكمة العدل الدولية ليس للأسباب الآنفة الذكر فقط. وإنما كما يبدو أنه لسببين رئيسيين،، هو سهولة الشروع في التحقيقات بعيدا عن تأثير روسيا في اتخاذ القرار ومراحل التحقيق.
إذ إنه وفقا للمادة (15) من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية 1998، فإنه يحق للمدعي العام أن يباشر أعمال التحقيق من تلقاء نفسه في حال وجد أن هناك أدلة تفيد أن هناك جرائم تم ارتكابها تدخل في اختصاص المحكمة. فالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية كما نص عليها نظام روما في المادة (5) هي:
(1) الإبادة الجماعية، وهي كما تعرفها المادة (6) من النظام ذاته، أي فعل يقصد به إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو دينية، كان ذلك كلياً أو جزئياً.
(2) الجرائم ضد الإنسانية، كالقتل العمد، والتعذيب، الاغتصاب والإكراه على البغاء والعنف الجنسي، والاختفاء القسري للأشخاص وغيرها من الانتهاكات التي حددتها المادة (7).
(3) جرائم الحرب، فبالإضافة إلى القتل العمد والمعاملة اللإنسانية تعتبر من جرائم الحرب: توجيه هجمات ضد المدنيين، أو مواقع مدنية، كالمستشفيات والمدارس وغيرها من انتهاكات جاءت تفصيلها في المادة (8).
السبب الثاني أن الشروع في التحقيقات من قبل المحكمة الجنائية الدولية قد تكون مناورة سياسية - قانونية لتشكل ضغطا على روسيا.
فبالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، والضغط الدبلوماسي الذي تواجهه روسيا، والتي منها تعليق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان، هناك إجراءات قانونية ضد المسؤولين الروس، كما يذكر كيلبوقايل زوفابقو وناثاينال لو في مقال لهما بالواشنطن بوست، 15 مارس 2022، أن المحكمة الجنائية الدولية تحظى بدعم عشرات الدول للتحقيق في انتهاكات الجيش الروسي في أوكرانيا. فحتى لو لم يمثل الضباط والجنود الروس أمام المحكمة مطلقاً، فإن «لوائح الاتهام» قد تجعلهم أهدافاً لحظر السفر وعقوبات أخرى تجعلهم عرضة للاعتقال من قبل الدول الأعضاء الملزمة بالقبض على الهاربين من العدالة بموجب نظام روما الأساسي، كفرنسا وألمانيا.
ورغم أن الإجراءات القانونية والأحكام القضائية المتعلقة بالأزمة الروسية-الأوكرانية قد تستغرق عقدا من الزمن، إلا أنها تشكل نقطة تحول للقانون الدولي، وعن آلية إنفاذه، خصوصا فيما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني والجنائي، مما قد يساهم في إعادة هيكلة المجتمع الدولي وقواعده.