بدأ المونديال، وعلى وشك أن تنتهي منافساته الساخنة بجنوب أفريقيا.

وبعيداً عن مستويات المنتخبات المشاركة، ومن دون الخوض في غمار مستويات النجوم الكبار, ودون التحدث عن السقطات التحكيمية الكثيرة في عدد من المباريات, فإن أشد ما يخيفنا من إفرازات هذا المونديال، مبادرات يطرحها البعض ثم تجد طريقها للتنفيذ.

أشد ما أزعجنا من إفرازات المونديال الأفريقي تطرق رئيس الفيفا السويسري جوزيف سيب بلاتر إلى مسألة استخدام التكنولوجيا في السياق الإجرائي للعبة على أرض الملعب, بمعنى التدخل في سير وظروف هي في الواقع جزء لا يتجزأ من جماليات وحيوية وإثارة اللعب، مما جعل من لعبة كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية وإثارة في العالم, وجعل منها كذلك الأكثر متابعة جماهيرية وإعلامية وحقوق بث ورعاية لمنافساتها.

إن اجتهاد بلاتر نأمل ألا يجد أذنا صاغية حتى لا (تمسخ) جوهر وروح اللعبة وتصبح محل اجتهادات هذا المسؤول وذاك, لنجعلها في نهاية الأمر لعبة أخرى لا تمت لكرة القدم الأصيلة التي حفلت بها (19) بطولة مونديالية سابقة.

كرة القدم لا تحتاج يا مسيو بلاتر إلى اجتهادات كهذه, إنها تحتاج إلى تأهيل الاتحادات المحلية في العالم, وإلى المساعدة في البنية التحتية للدول الضعيفة وتطوير البنى في الدول القادرة, وإلى المساعدة في تأهيل أجيال من الحكام القادرين على إدارة المباريات بكل كفاءة واقتدار, وإلى منح الدول حق استضافة المونديال بعيداً عن الضغوط والانحياز السياسي, وإلى الاهتمام بظاهرة العنصرية التي باتت سمة لكثير من ملاعب العالم, وإلى إيجاد آلية تواكب اللاعبين المعتزلين في العالم والمحافظة على حقوقهم من العوائد الخرافية التي باتت تزخر بها ميزانيات الفيفا في العقود الأخيرة.. وغير ذلك كثير من الأمور التي تحتاجها الكرة العالمية يا مسيو جوزيف.

إن قولكم باستخدام التكنولوجيا في سير المباريات والحد من أخطائها أخشى أن يكون اعترافاً بالفشل في برامجكم التأهيلية والإعدادية للأجهزة التنفيذية بالفيفا وبالاتحادات الأهلية بالعالم, مع العلم باستحالة القيام برياضة دون وجود أخطاء بشرية, إنما الفرق يكون من خطأ بشري اعتيادي وآخر متعمد ومقصود وفيه تساهل وعدم جدية في تأدية الواجب.

إن أخطاء التحكيم التي باتت تتكاثر في المنافسات الكروية العالمية والمحلية هي في الواقع أمر طبيعي أن يحدث مع الثورة التدريبية والمستويات الفردية للاعبين الذين تقدموا بمسافات عن الحكم واستعداداته الفردية والمهارية، فلم يستطع مجاراة اللاعبين في حركتهم وتحركهم وتحايلهم وخداعهم, هذا ما يجب أن تفكر فيه يا مسيو بلاتر، وفرق عملك بدل الاتكال على التكنولوجيا وأن تضعها أمام الناس كتبرير مستقبلي بأن ما سيقع من أخطاء ستعيد أسبابه إلى هذه التكنولوجيا التي اخترتها بديلاً للجهد والفكر البشري.

إن رجاء كل محبي كرة القدم في العالم أن تبتعد أنت يا جوزيف بلاتر ومساعدوك الذين أوحوا لك بهذه الفكرة عن السعي إلى مسخ اللعبة وتفريغها من جوهرها وروحها التشويقية والمثيرة, وأن تبدأوا بدلاً عن ذلك في تشخيص وتحليل الأخطاء التي تقع في المونديال والبطولات القارية.

نتمنى ذلك يا سيد الفيفا.