وقفت السيدة سيمبسون - وهي معلمة متقاعدة - في طابور السوق، بينما وقف رجل خلفها ومعه زوجته وأطفاله، وشعرت أنهم يحدثون ضجيجاً في المكان، فالتفتت نحوه قائلة: سيدي، أرجو أن تتقدم أمامي لأن معك أسرة وأطفالاً، لكن الرجل رفض قائلاً: لا سيدتي، لا بد أن نقدم كبار السن دائماً، أعجبت السيدة سيمبسون بما قاله الرجل وعادت تقول: سيدي، كم هذا رائع، مَن علمك هذا؟ تطلع نحوها بدهشة وقال: أنت يا سيدة سيمبسون، لقد علمتني ذلك عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي.
أعرف أن معظم المعلمين والمعلمات عندما يقول لهم أحد تلاميذهم يوماً ما مثل ذلك ربما بكوا، وربما اختفت كل آلام الدنيا في لحظة؛ لأن تلميذاً أخبرهم بأن عملهم لم يذهب سدى، عملهم الذي خُلقوا من أجله، فالمعلم دون كل الموظفين في الدنيا خُلق ليكون معلماً، وإلا فما الذي يجعله يلتزم بوظيفة لا يحتملها حتى الآباء والأمهات مع أطفالهم في البيت فيحضروا معلمين أو مربين؟
وأنا بوصفي معلمة أجد أن لا شيء يكافئنا مثل نجاح تلاميذنا وتفوقهم في الحياة، ولا يعني ذلك أن المعلمين والمعلمات سيتخلون عن مقاومتهم لأنظمة الوزارة الخاصة بمكافآتهم والتي حرمتهم -دون كل الموظفين في المملكة - من مكافأة نهاية الخدمة.
في الواقع أن تطور الوزارة نفسها في أنظمتها وأجهزتها يصب في مصلحة المعلم وفي تمام عمله، فنظام نور مثلاً هو إنجاز بحد ذاته تشكر عليه وزارة التربية والتعليم. فهذا النظام الذي فاز قبل أيام بجائزة عالمية خفف كثيراً من أعباء المعلم وكذلك ولي أمر الطالب. لكن هناك الكثير الذي ما زال المعلم ينتظره وربما أهمه من وجهة نظري الشخصية هو أن يكون المعلم في الصورة، بمعنى أن يعرف ما يحدث بالضبط في وزارته.
فكم معلما في بلادنا لديه علم أو خبر عن الاختبارات التحصيلية، وما الذي سيطرأ على تقويمه لطلابه العام المقبل، وما دوره في كل هذا؟
نحن المعلمين والمعلمات نعلم من الصحف، وأظننا سننتظر معرفة دورنا من الصحف أيضاً عندما تبدأ القيادات في استعراض ما أنجزته الشركات العالمية التي يدهشني فيها أنها لم تفكر بمشاركة المعلم السعودي الذي تخطط له وتضع الإستراتيجيات ليقوم بعمله. أقول: ربما أخبروهم بألاّ يهتموا؛ لأن المعلم سينفذ بإتقان لحظة البدء، وإن كنت أوقن بأن هذه الشركات يهمها المال أولاً ولا يهمها أي شيء آخر، وهي تحصل على ثروة في عمل لو فكرت الوزارة قليلاً لوجدت أن هناك آلاف المعلمين والمعلمات المميزين الذين يكتسحون كل عام جوائز التربية والتعليم في الخليج، لو مُنحوا الإذن بالمشاركة لقدموا الأفضل، ليس فقط لواجب المواطنة؛ ولكن لأنهم يعملون على تطوير أنفسهم دائماً.
وبمناسبة الاختبارات أقول لمعلمينا ومعلماتنا وهم يخوضون جولة ربما تكون الأخيرة في الاختبارات: أعانكم الله على التصحيح والمراقبة وأعمال التدقيق والمراجعة، ولا حرمكم أجر عملكم الذي يمنح طلابنا الضوء الأخضر نحو صناعة مستقبلهم.