الاحتفال بيوم للأم بدأ في أمريكا عام 1908 ميلادي، عندما أقامت آنا جارفيس ذكرى لوالدتها، ثم قامت بحملة لجعل عيد الأم معترفًا به في أمريكا، حتى تم ذلك عام 1914، ففي 21 من مارس في كل عام يُحتفل بعيد الأم، وهناك دول عدة تحتفل به في نفس التاريخ، ودول أخرى في تواريخ مختلفة.

وفي العالم العربي أول احتفال كان في مصر، والبداية كانت عندما قدمت أم إلى الصحفي الشهير والأديب مصطفى أمين في مكتبه في جريدة أخبار اليوم، وشكت له من عقوق ابنها الذي عملت كل شيء لنجاحه ثم هجرها بعد زواجه، فطالب مصطفى أمين بعيد الأم، واستحسنت الفكرة وبدء به في 21 مارس 1956، ثم توالت احتفالات الدول العربية بذلك العيد.

لقد سبق الإسلام في إبراز عظمة الأم وما تستحقه من بر من أبنائها، عندما شملها قول الله تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا»؛ فأي تكريم عظيم هذا الذي ذكر فيه بر الوالدين بعد عبادته، وقال تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرًا».


وبالتالي فالأم معنية بهذا التوجيه الإلهي، وقد شدد الرسول -عليه الصلاة والسلام- على عظمة الأم في مواضع كثيرة، منها عندما سأله رجل وقال يا رسول الله من هو أحق الناس بحسن صحابتي، فأجاب -صلى الله عليه وسلم: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك».

ولقد تغنى كثير من الشعراء العرب بالأم، فقال حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبًا طيب الأعراق

الأم روض إن تعهده الحيا *** بالري أورق أيما أوراق

الأم أستاذة الأساتذة الألى *** شغلت مآثرهم مدى الآفاق

ولعل من الصدف المحببة أن يعد يوم 20 من مارس يومًا للسعادة، يليه يوم الأم، التي لا شك أنها مكمن السعادة، والحضن الدافئ للأبناء وإن كبروا، والكتف الذي لا ينوء بهمومهم ولا يشكو، بل هو البلسم الذي لا غنى عنه،

الأم إنسانة عظيمة تتعب التاريخ وأمهات الكتب لو أرادوا بإنصاف إعطاء الأم حقها في التقدير والتكريم.

يوم السعادة

مر يوم السعادة ولا ما نشاف ولا من دري، أو كما يقولون مر مرور الكرام، والحقيقة أهو مرور الكرام أو العكس، لكن قد مر والسلام.

عن أي يوم سعادة يتكلمون والبشر هات يا تقطيع في بعض، إن كان في السوشال ميديا ولا على الأرض؛ فهذه أوكرانيا مشعللة نارًا ودمارًا، والحروب النفسيةً على قدم وساق، خاصة بين بايدن وجونسون وكاميرون من جهة، وبوتين ولافروف من جهة أخرى، وكأنهما شاطر ومشطور وبينهما طازج «زلينيسكي»، ناهيك عن الإرهابيين الحوثيين وما يفعلون بشعب اليمن من قتل وحصار ودمار، وارتكاب العدوان الإرهابي على الجيران، فأين السعادة؟، هل هي حلم نطارد فيه أمنياتنا بين لعل وعسى وربما، أم حقيقة نستطيع أن نطوعها بإرادتنا متى شئنا، وإن كانت تخضع لإرادتنا.

فلماذا نجد كل إنسان يبحث عنها إلى آخر أيام العمر، هل هي مجازًا كم ما يجب أن نصل إليه حتى نسعد، وهل هذا الكم له مقياس كما يروي لنا منظرو السعادة؟، أم هي سراب في قيعة نلاحقه حتي إذا ظننا أننا قد أدركناها نجد إما أن ذلك كان وهمًا، أو أننا أصلاً لا نعرف أين تكمن السعادة، وفي أي جزء من حياتنا، أو أننا يصيبنا جشع السعادة الكاملة «على الأقل في قناعتنا»، فنبقي نبحث ونبحث عن الكنز المفقود الذي هو عادة أسطورة من الأساطير، أم هل حكمة القناعة كنز لا يفنى، هي الحكمة التي يجب أن نلتزم بها، ومن رضي بقليله عاش.

شخصيًا، أعتقد أن الجري وراء السعادة الكاملة نوع من المعاناة، وعمومًا أرى كثيرًا من أقوال الشعراء والحكماء تتناول السعادة في نظرة متشائمة ومن زاوية أنها صعبة المنال، فمثلًا الشاعر أبو القاسم الشابي يقول:

ترجو السعادة يا قلبي ولو وجدت *** في الكون لم يشتعل حزن ولا ألم

ولا استحالت حياة الناس أجمعها *** وزلزلت هاته الأكوان والنظم

فإن السعادة في الدنيا سوى حلم *** ناء تضحي له أيامها الأمم

ناجت به الناس أوهام معربدة *** لما تغشتهم الأحلام والظلم

فهب كل يناديه وينشده *** كأنما الناس لا ناموا ولا حلموا

خذ الحياة كما جاءتك مبتسمًا *** في كفها الغار أو في كفها العدم

واعمل كما تأمر الدنيا بلا مضض *** وألجم شعورك فيها إنها صنم

فمن تألم لم ترحم مضاضته *** ومن تجلد لم تهزأ به القمم

هذه سعادة دنيانا فكن رجلاً *** إن شئتها أبد الاباد يبتسم

وإن أردت قضاء العيش في دعة *** شعرية لا يغشي صفوها ندم

فاترك إلى الناس دنياهم وضجتهم *** وما بنوا لنظام العيش أو رسموا

واجعل حياتك دوحًا مزهرًا نضرًا *** في عزلة الغاب ينمو ثم ينعدم

واجعل لياليك أحلامًا مغردةً *** إن الحياة وما تدوي به حلم

كما قال الشاعر اللبناني المهجري جبران خليل جبران:

وما السعادة في الدنيا سوى شبح *** يرجي فإن صار جسمًا مله البشر

كالنهر يركض نحو السهل مكتدحًا *** حتى إذا جاءه يبطي ويعتكر

لم يسعد الناس إلا في تشوقهم *** إلى المنيع فإن صاروا به فتروا

فإن لقيت سعيدًا وهو منصرف *** عن المنيع فقل في خلقه العبر

وفي غمرة يا ليل خبرني عن أمر المعاناة «السعادة في نظري» نجد أن هناك تاريخًا طويلًا من البحث عنها، حتى أقر يوم يحتفل فيه العالم بالسعادة.

والحقيقة هم لا يحتفلون بالسعادة؛ «لأنها بح»، بل بالتذكير أنها مطلب نعمل عليه، ففي اجتماع للأمم المتحدة عام 2012 أقر تخصيص يوم 20 من مارس كل عام للاحتفال بالسعادة «المفقودة».

وكانت الفكرة أساسًا من بلد صغير في جبال الهملايا هي مملكة بوتان، والتي اعتمد اقتصادها على الشعار المشهور «بأن السعادة الوطنية الشاملة هي أهم ناتج قومي»، وقد تضمن ذلك رسميًا في دستورها عام 2008.

يقول ناثا نيل: «السعادة مثل الفراشة، إذا طاردتها لن تلحق بها، وإن كنت هادئًا حطت على كتفك»، بينما يقول بوذا: «يمكن إضاءة ألف شمعة بشمعة واحدة دون أن يقصر ذلك من عمرها، فمشاركة السعادة مع الناس لا تقلل منها»،

ويقول سومرست موم: «ننشأ وفي اعتقادنا أن السعادة هي الأخذ ثم نكتشف أنها العطاء».

يقول الإمام الشافعي:

وتضيق دنيانا فنحسب أننا *** سنموت يأسًا أو نموت نحيبا

وإذا بلطف الله يأتي فجأة *** يربي من اليبس الفتات قلوبا

ويقول:

قل للذي ملأ التشاؤم قلبه *** ومضي يضيق حولنا الآفاقا

سر السعادة حسن ظنك بالذي *** خلق الحياة وقسم الأرزاقا

ويقول إيليا أبو ماضي:

وأرى السعادة لا وصول لعرشها *** إلا بأجنحة من الوسواس

فكأنما هي صورة زيتية *** للشط فيها مراكب ومراسي

تبدو لعينيك السفائن عومًا *** وتكاد تسمع رعشة الأمراس

لكن إذا أدنيتها ولمستها *** لم تلق غير الصبغ والقرطاس

هذا ما قاله بعض الفلاسفة والحكماء والشعراء عن السعادة، ونجدهم يختلفون في الصياغة، ولكن يجتمع أكثرهم على أنها صعبة المنال، وحتى من كان متفائلاً منهم جعل لها شروطًا تحتاج لأن تكون سعيدًا لتجلب السعادة، يعني حسبة الله يعين عليها.

لكن كيف أترك لكم الإجابة، فقد عصيت عليَّ، إنما خلنا نأخذها من قصيرها وأقول لكم بلا سعادة بلا هم، فلنعش حياتنا كما هي، والسعادة وقت ما تحب أن تأتي ما بنقول لها لا، ولا سنتدلع ونتدلل، حياها الله، أهم شيء ما تكون زيارة على الطاير وذاك وجه الضيف.