يتضح لمراقب العلاقات الدولية وهو يشهد الأزمة الروسية- الأوكرانية، أن ميثاق الأمم المتحدة بأحكامه ونصوصه التي تؤكد على أن الدول الأعضاء يجب أن يمتنعوا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد أي دولة أخرى –وفقًا للفقرة (4) من المادة (2) من الميثاق– لا تنطبق على الجميع، فعندما يكون أحد أطراف النزاع عضوا دائما في مجلس الأمن، والذي يتمتع في حق الاعتراض على القرارات، فإن المجلس لا يستطيع أن يفعل شيئًا لإيقاف النزاع المسلح.

في 2 مارس 2022، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدين «العدوان الروسي على أوكرانيا»، صوتت 141 دولة لصالح القرار الذي يطالب بإنهاء فوري للهجوم الروسي وسحب القوات الروسية من أوكرانيا، وامتنعت 35 دولة عن التصويت، بما فيها الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن (الإمارات، والصين، والهند)، وانضمت إلى روسيا ضد القرار أربع دول (سوريا، إريتريا، كوريا الشمالية، وبيلاروسيا).

وبالرغم من أن 11 عضوًا أيدوا قرار الجمعية، فإن مجلس الأمن لم يتبن القرار، بسبب عدم موافقة روسيا عليه، فمجلس الأمن يتألف من 15 عضوًا، 10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخمسة أعضاء دائمين (فرنسا، الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، والمملكة المتحدة)، الذين لديهم حق النقص (الفيتو) على أي تصويت أمام المجلس بناء على المادة 27 من الميثاق، وبالتالي نجد أن الأزمة الروسية- الأوكرانية أثارت تساؤلًا عن الدور الذي يمكن أن يلعبه مجلس الأمن في حل الأزمة سلميًا.


رغم أن هناك نصوصا في ميثاق الأمم المتحدة توضح الإجراءات القانونية التي يمكن للهيئة أن تتخذها ضد الدول الأعضاء التي تهدد دولة أخرى أو تستخدم القوة العسكرية ضدها -كما هو منصوص عليه في المادة (5) و(6) من الميثاق– إلا أن جميعها علقت ذلك بشرط موافقة مجلس الأمن، فعلى سبيل المثال، تنص المادة (6) من الميثاق على أنه يجوز للجمعية العامة «طرد» أي عضو من أعضاء الهيئة في حال انتهاكها مبادئ الميثاق، لكن يجب أن يكون ذلك بناء على «توصية من مجلس الأمن».

وبتأمل الغزو الروسي لأوكرانيا، نجد أن روسيا انتهكت الكثير من مبادئ الميثاق ونصوصه، والتي من أهمها ما جاء في المادة (1) من الفصل الأول من الميثاق وهو «الحفاظ على السلم والأمن الدوليين»؛ من خلال منع حدوث أي تهديد للسلام، وقمع العدوان العسكري، والحث على التوصل الى تسوية سلمية للنزاعات الدولية.

وبفشل مجلس الأمن في تبني قرارًا يوقف الحرب، نجد أن أوكرانيا بدأت تتلقى الدعم من الدول الأعضاء لحلف شمال الأطلسي «حلف الناتو»، فأصبح لسان حال روسيا كما جاء في المثل الشعبي: «يا فاظٍ عن الموت يا لاقفلّه»، وهو مثل يصف حال سيء الحظ، الذي أساء تدبير الأمور في تقديره لاتخاذ القرار، وما مدى العواقب التي سوف تنتج عنه، فـ«فاظ» تعني «هارب»، يقال: فلان فظ في بعض اللهجات الشعبية في المملكة تعني «هرب»؛ و«لاقفلّه» أصلها «لقف»؛ أي: أخذة بطريقة سريعة وعلى حين غرة –أي: أنه هارب من أسباب الموت وظن أنه وراءه، ولكن وجده أمامه بالصدفة، فكانت غاية حرب روسيا ضد أوكرانيا هي أن تمنع الأخيرة من الانضمام إلى حلف الناتو– المقال السابق: «لماذا تغزو روسيا أكرانيا».

لكن المفاجأة أن أوكرانيا وجدت دعمًا من دول الحلف، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا، فقد أرسل أعضاء الحلف آلاف الأسلحة المضادة للدبابات ومئات صواريخ الدفاع الجوي، وآلاف الأسلحة الصغيرة والذخيرة ؛ بالإضافة إلى المساعدات المالية والإنسانية بملايين اليوروهات، بما في ذلك الإمدادات الطبية لمساعدة القوات الأوكرانية، قال الأمين الأمين العام لحلف «الناتو»، ينس ستولتنتبرج: «أرحب بتكثيف الحلفاء لدعم أوكرانيا بمعدات عسكرية إضافية ومساعدات مالية وإنسانية، الدفاع عن النفس هو حق منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويساعد الحلفاء أوكرانيا في التمسك بهذا الحق، وهذا يبعث رسالة واضحة عن دعم الناتو الكامل لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها».

لم يكن دعم الحلفاء لأوكرانيا هو المفاجأة الكبرى لروسيا، وإنما حجم العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فوفقًا لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فإن موسكو تفاجأت بالإجراءات التي اتخذت ضد البنك المركزي الروسي، التي أسهمت في «آثار اقتصادية مدمرة»، مما تسبب في انهيار العملة الروسية «الروبل».

السؤال هنا: هل سنشهد تغييرًا في هيكلة مجلس الأمن في أعقاب الحرب الروسية- الأوكرانية؟.