أفتى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بأن من جلس في بيته ولم يخرج للإدلاء بصوته في الانتخابات يعتبر آثما، لأنه حجب سهما عن مكانه المهم في توجهات المجتمع ورأي الجماعة.

ومن الردود لاقت هذه الفتوى معارضة واسعة من ذات البيت ومن داخل رموز مؤسسة الفتوى للتيارات المختلفة.

في الفتوى آنفة الذكر برهان واضح على أن الفتوى نفسها، وخصوصا في فقه الواقع واجتهادات النوازل، تحتاج إلى رؤية جماعية وإلى بصيرة مجموعة ترتفع بها فوق اجتهادات الفرد، الذي قد يحضر لديه دليل وتغيب عنه دلائل وقرائن.

الفتوى نفسها مسبوقة من قبل بعشرات الفتاوى، بل بكثير من الكتب والأبحاث التي تجرم الديموقراطية بوصفها نسفا للشورى وإحلالا مكان مصطلح أهل الحل والعقد، ناهيك عن أنها استلاب من مفاهيم مدنية غربية علمانية.

وبعد ثلاثة أسابيع فقط ماذا سيكون رأي فضيلة الشيخ لو أن السباق اقتصر على أحمد شفيق وحمدين صباحي، بوصف الأول إعادة إنتاج لنظام أسماه القرضاوي بالهالك، والثاني بتوجهاته اليسارية الليبرالية الصارخة: هل سيكون الخروج يومها فضيلة أم إثما؟

بلع الفتوى لأختها السابقة بمثل هذا التسارع المخيف، وخصوصا في فقه الواقع وحوادث النوازل، يبرهن أن الفقيه المجتهد اليوم في حاجة إلى فريق عمل استشاري يضيء له الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحتى العلمية المترتبة على الفتوى.

فتوى نوازل العصر تحتاج إلى عمل جماعي لا إلى رؤية فردية. الشيخ القرضاوي مثلا لا يعلم أن الانتخاب كفعل وممارسة إنما هو عمل _ كمي _ يستحيل فيه استكمال كل الناخبين بنسبة مئوية كاملة، مثلما لا يعرف أن النتيجة لا تتغير كثيرا في فوارق النسبة بين ضعف الإقبال أو شدته في الانتخابات النزيهة. وللتوضيح فإن النتائج ستكون نفسها بالتقريب، لا فرق أن ينزل من الناخبين 100% أو 60%. في الانتخابات النزيهة تستطيع معرفة الفائز بعد فرز عشوائي مختلط لـ20% من جملة المقترعين.

ومن قبل لاحظنا كيف تبلع الفتوى أختها النقيضة السابقة في نوازل عصرية كثيرة من فقه الواقع بسبب رؤية الفرد لا بصيرة المجموع. قرأنا ذلك في فتاوى التقنية مثل الإنترنت والفضائيات وحتى في أنماط الهواتف المحمولة وخدماتها المختلفة. وأبلغ من هذا في بعض فتاوى المجالات الاقتصادية والمعاملات البنكية وأسواق الأسهم التي خلقت اضطرابا واسعا حين يقرأ الجمهور الفتوى ثم يقرؤون نقيضها وأحيانا من ذات اللسان.