لأول مرة أحس أن عالمنا هذا ليس واحدا كما كنت أعتقد، ولكنه عالمان.. ذلك الذي بدأ بالحضارة المصرية القديمة التي انتقلت إلى اليونان ثم الرومان ثم العرب ثم أوروبا من جديد، لتبدأ الحضارة الأوروبية التي انتقلت إلى قارتي أمريكا وانتشرت في مناطق شاسعة من آسيا وإفريقيا.

عالمنا هذا بأديانه التي بدأت بتوحيد إخناتون ثم الدين اليهودي والذي منه ولدت المسيحية ثم الإسلام، بعلومه وفلسفته وطريقة نظره إلى الأشياء والوجود.

عالمنا هذا الذي قد تختلف درجة تحضر أجزائه، أو تتبادل شعوبه مشاعل التحضر والنور، ولكنه واحد يكاد يكون كاملا متكاملا، تاريخه واحد، وإنسانه واحد.


عالم تتصور أنه كل العالم بينما الأمر ليس هكذا أبدا، فهناك في شرق آسيا وجنوبها وقلبها عالم آخر تكاد لا تربطه صلة أي صلة بعالمنا، عالم مواز نشأت الحضارة فيه بطريقة مختلفة. وتكون تاريخه من أحداث مختلفة.

وانبثقت فيه الديانات والعقائد بطريقة خاصة به. عالم ثان إن يكن أقصر من عالمنا عمرا، إن يكن أقل اتساعا وانتشارا، إن يكن قد ظل حبيس حدوده الجغرافية لم يغرق بفتوحاته وغزواته وجه الأرض أو كان سيد الدنيا يوما.

إلا الإنسان الآسيوي المعاصر الذي جاء نتيجة ذلك العالم لا يقل عراقة عن عالمنا إن لم يزد، بل إنى لأجرؤ وأقول إن الإنسان، هذه الشعوب المكونة منه، يفوق وتفوق من أوجه كثيرة إنساننا نحن وشعوبنا نحن، بل إني لأصرح بما في نفسي وأقول: نحن على شفا عصر ستكون فيه السيادة لهذا الإنسان، عصر تنقلب فيه الآية.. ويكتب لعالم ظل طويلا في البعد والعزلة أن يتلقف هو مشعل الحضارة والتقدم، وأن يتحول عالمنا نحن إلى عالم تابع، على الآخر يتتلمذ.

1972*

* كاتب وروائي مصري «1927 - 1991»