في القصة الشهيرة عن الإمام العادل عمر بن عبد العزيز أن ضيفاً أتاه ذات ليلة، وكان يكتب، فأوشك السراج أن يطفأ، فقام رضي الله عنه وملأ المصباح زيتاً.. فقال الضيف مندهشاً: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين؟! فقال عبارته الشهيرة التي ذهبت نبراساً ساطعاً للأجيال من بعده: "ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء! وخير الناس من كان عند الله متواضعاً".
تأتي هذه القصة في سلسلة استدلالات مختلفة.. منها أهمية اعتماد الإنسان على نفسه في قضاء حاجاته التي في متناول يده.. فلا ينقص من قدره ولا من مكانته شيء حينما يخدم نفسه بنفسه.. بل تزداد قيمته لدى الناس. تحولنا
ـ إلا من رحم الله ـ إلى مجتمع اتكالي لا يستطيع أن يسيّر أمور حياته اليومية.. أصبح خدم المنازل في السعودية من ضرورات الحياة.. أكاد أجزم أنه لا توجد في السعودية اليوم، أسرة متوسطة الحال لا يوجد لديها عاملة منزلية، وبعضها عاملتان، وقرأت أن هناك أسرة سعودية مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال، لديها ثمانية عاملات منزلية!الاتكالية أصبحت مرضاً اجتماعياً.. أصبحنا نعتمد على غيرنا في أمورنا الخاصة.. فنرمي عليهم بكامل المسؤولية.. والخطورة أن ذلك انعكس على أبناء الأسر ـ البنات على وجه
الخصوص ـ فلا تستطيع البنت وهي على وشك الزواج، أن تواجه تحديات الحياة، وتخدم نفسها، أو تقضي حاجاتها دون الاستعانة بعاملة المنزل.. مشكلة الكثير من الأسر اليوم أنها تغرس في أبنائها معنى الاتكالية دون أن تشعر.. أحد الأصدقاء أدرك ذلك حينما سمع ابنته تردد ذات مرة عبارة "أنا مو شغالة".. فقرر منح العاملة المنزلية إجازة يوم الخميس.. يقول طلبت من كل فرد من أفراد الأسرة أن يخدم نفسه بنفسه.. كان العلاج حاسماً، فكانت النتائج باهرة.. ماذا لو قامت كل أسرة بتعزيز قيمة الاعتماد على النفس، ومحاربة الاتكالية لدى أبنائها وبناتها؟!