في هذه التجربة، استوقف شخص (واحد من فريق البحث) أحد الطلاب أثناء سيره في الحرم الجامعي وسأله عن مكان ما داخل الجامعة.
وبينما كان الطالب يصف للسائل كيفية الوصول إلى هذه المكان، جاء رجلان يحملان بابًا خشبيًا كبيرًا ومرَّا من بينهما، بطريقة حجبت تمامًا رؤيتهما لبعضهما البعض لعدة ثوان.
وخلال ذلك الوقت، تم استبدال هذا الشخص (الباحث) بآخر مختلف تماما في الشكل والطول والهيئة والزي.
ورغم ذلك لم يدرك نصف الأفراد الذين وضعوا موضع الاختبار في هذه التجربة عملية الاستبدال. كانت التجربة من أولى التجارب التي أوضحت ما يسمى بظاهرة «عمى التغيير» (عدم الانتباه الناشئ عن تغير المشهد)، والتي تظهر مدى انتقائية ما نلاحظه من أي مشهد بصري معين... يبدو أننا نعتمد على الذاكرة ونمط الإدراك أكثر بكثير مما نعتقد!
يحدث «عمى التغيير» عندما يكون الشخص غير قادر على ملاحظة التغيرات البصرية في بيئته، على الرغم من أن غالبًا ما تكون تلك التغيرات واضحة بدرجة كبيرة.
تُعزى هذه الظاهرة إلى حدود قدرة الدماغ على تذكر الصور المعقدة في نطاق واسع. على سبيل المثال، قد نتذكر صور المتاجر في شارع مزدحم بالمحلات والمطاعم، ولكننا قد لا نلحظ أن أسماء المتاجر قد تغيرت، وذلك لأن الدماغ لا يمكنه أن يعالج كل العناصر المدركة دفعة واحدة ولأن الانتباه يعطي الأولوية لما نعتقد أنه مهم. وقد تحدث هذه الظاهرة أيضًا بسبب حدوث التغيير في المشهد بشكل تدريجي، وفي بعض الأحيان إذا تملك الفرد شعور بالثقة الزائدة.
ركزت التجارب المبكرة حول عمى التغيير على الذاكرة والإدراك عند عرض الصور.
على سبيل المثال، قد يُعرَض لشخص صورة فوتوغرافية لمشهد في شارع، ثم يُطلَب منه ملاحظة الصورة. بعد ذلك، تُعرَض عليه الصورة نفسها مع إضافة بعض العناصر أو الحذف منها، ويطلب منه تحديد ما هو مختلف.
في كثير من الأحيان لا يتمكن الفرد من تذكر عدد من العناصر البارزة في الصورة.
في 1990، أجرى الباحث دانيال سيمونز دراسة مثيرة حول ظاهرة «عمى التغيير» التي يراها الكثيرون أمرًا لا يصدق.
في هذه الدراسة، طلب سيمونز من المشاركين مشاهدة شريط فيديو لمباراة كرة سلة. وطلب منهم التركيز على التمريرات بين اللاعبين، وأثناء التجربة كان هناك رجل يرتدي «رأس غوريلا» يمر بين اللاعبين.
وعندما انتهت التجربة، وجد سيمونز أن نصف المشاهدين لم يلحظوا «الرجل الغوريلا» نهائيا رغم وضوحه التام في إطار الشاشة، وعندما أُعِيد لهم الفيديو الذي يظهر فيه «الرجل الغوريلا» أنكروا ذلك وقالوا: مستحيل... لا بد أنكم قد بدَّلتم الفيديو بآخر!
وخلص الباحث إلى أن المشاركين يعانون من «العمى غير المتعمد» (عدم قدرة الفرد على رؤية أشياء واضحة رغم عدم وجود أي قصور بصري لديه).
إن ضعف قدرة الناس على اكتشاف التغييرات يعكس حدود قدرة الإنسان على الانتباه. حديثا، أصبح عمى التغيير موضوعًا مهمًا للبحث، وذهب الباحثون إلى أنه قد يكون له تضمينات عملية مهمة للغاية في مجالات مثل شهادة الإعلانات التجارية وشهود العيان، وانحرافات السيارات التي تؤدي إلى حوادث أثناء القيادة.
هناك بعض التضمينات الفريدة لهذه الظاهرة في مجال السينما.
عندما دخل فن تحرير الأفلام في صناعة أفلام السينما بدأ المحررون يلاحظون أن بعض التغييرات باهظة التكاليف في الخلفية لم تكن تُلاحَظ من قبل مشاهدي الفيلم.
وفي مجال الإعلان، انتبه مصممو الإعلانات إلى أن الناس أقل ملاحظة مما يعتقدون!
هذه القضية مهمة بشكل خاص في الإعلانات البصرية، حيث محدودية الوقت المخصص للفوز بانتباه الجمهور.
نحن نعلم أيضًا أن الدماغ من المرجح أن يتجاهل أي شيء قد يبدو مألوفا.
في مجال اختبار الإعلانات. يمكن أن تؤدي التغييرات الصغيرة في تصميمات الإعلانات إلى تحقيق نتائج كبيرة. يمكن أن تؤدي عملية اختبار التغييرات إلى الوصول إلى عناوين الخلفيات والرسوم المتحركة الأكثر تأثيرًا، ومن ثم إنشاء إعلانات تحقق أداء أفضل. من خلال فهم عمى التغيير وآثاره، يكون المعلنون مستعدون لاختبار التغيرات.
إن اختبار مفاهيم الإعلانات المختلفة، بشكل منتظم، هو الطريقة الوحيدة لتجاوز عمى التغيير والتأكد من أن رسالة الإعلان تصل إلى الجمهور بشكل مستمر.
كما يمكن أن تُجنِّب المعلنين إنفاق أموال طائلة على خلفيات غير مؤثرة وقد لا ينتبه إليها المشاهد على الإطلاق!