حتى قبيل أن يرزق المرء بمولوده الأول غالبًا ما يلقبه أصحابه بـ«أبي فلان».. وهذا الـ«فلان» في الأعم الأغلب مولود ذكر.

ويبدو أن ثمة إجماعًا في المجتمع السعودي على رغبة الرجال بأن يكون مولودهم الأول ذكرًا، ولا تبدو هذه القاعدة حكرًا على مجتمعنا وحده، بل تمتد شرقًا وعربًا لتشمل الخليج وغالبية الدول العربية.

وعلى الرغم من الخطوات الواسعة نحو التقدير والتي حظيت بها المرأة العربية عمومًا في السنوات الأخيرة، إلا أن المولود الذكر الأول لا يزال رغبة وأمنية كثيرين.


وأسهمت عوامل مختلفة مرت عبر التاريخ في تعزيز هذه الرغبة، ومنها عوامل اقتصادية واجتماعية، صوّرت المولود الذكر على أنه العون والسند والعزوة للعائلة، وذلك على حساب إنجاب الإناث.

اتجاه نفسي وعنصري

ترى الدكتورة خديجة العسيري أخصائية نفسية في جامعة الملك خالد، أن تفضيل المواليد الذكور على الإناث عمومًا اتجاه نفسي وعنصري منذ قديم الأزل، وقالت «كان العرب يفضلون الذكور على الإناث، فإذا ولدت الزوجة ولدًا هنأ أفراد القبيلة والده بقولهم (بالرفاه والبنين) على العكس تمامًا عندما تكون المولودة أنثى حيث يواسون والدها بقولهم (أمنكم الله عارهها، وكفاكم مؤونتها وصاهرتم القبر)، والأب يُكنى في أغلب الأحيان باسم ابنه».

وتضيف «لقد صوّر لنا القرآن الكريم هذا الاتجاه النفسي تجاه الإناث بقوله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)».

جذور تاريخية

تواصل الدكتورة خديجة العسيري، وتقول «كل ما سبق له جذور تاريخية متأصلة في تفكير ورغبة الرجل العربي في أن يكون المولود الأول ذكرًا، وذلك لعدة أسباب ودوافع منها القيمة الرمزية القوية للأبناء الذكور، فهم يحملون اسم الأسرة، ويحمون المركز الاجتماعي لأسرهم، وهم مدعاة للفخر والعزة، لذلك فإن إنجاب الإناث لا يزال مشكلة مؤرقة فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولا تزال الرغبة الكامنة في إنجاب الولد مسيطرة على عقلية كثيرين، حتى أصبحت كراهية إنجاب البنات لدى البعض مرضًا اجتماعيًا متأصلا في كثير من الثقافات العربية والإسلامية».

مشاكل أسرية واجتماعية

ختمت الدكتورة العسيري «من ناحية نفسية، فإن هذا الاتجاه النفسي العنصري جعلنا نعاني من مشكلات أسرية على المستوى الخاص ومشكلات اجتماعية على المستوى العام، ومنها النظرة الدونية للمرأة، مما جعل كثيرًا من الفتيات يكسرن هذا الاتجاه وتلك النظرة إلى سلوك لا يتناسب مع طبيعتها الأنثوية ودورها الأساسي في الحياة».

موروث اجتماعي

يجزم الأخصائي الاجتماعي، المشرف التربوي حسين صالح آل جليدان أن «تفضيل الذكر على الأنثى موروث اجتماعي ما زال حاضرًا في بعض المجتمعات بل قد يكون معظمها، وتسهم عوامل في هذ التمييز، منها الاقتصادي ومنها الاجتماعي، ولعل الأمثلة الشعبية وما جاءت به يكرس هذه الثقافة المفضلة للذكور على الإناث، فالولد يعيل ويساعد وهو من يبقى مع والديه في النهاية ويعينهما عند الكبر، وهو من سيحمل اسم وذرية أبيه، بينما تذهب الأنثى إلى الغريب».

ويعدد آل جليدان عدة أسباب لتفضيل كثيرين أن يكون المولود الأول ذكرًا، ومنها:

1. الأزواج في المجتمعات العربية يفضلون أن يكنى الأب بمولود ذكر كنوع من «البرستيج» الاجتماعي.

2. «إنجاب الطفل الأول ذكرًا يشعر الزوجة بالأمان والاستقرار، كما تحظى باحترام أكبر من عائلة الزوج.

3. المولود الذكر يحمل اسم العائلة وإرثها وممتلكاتها.

4. الخوف دائمًا من الأنثى لأن الثقافة العربية تحمّلها مسؤولية الحفاظ على شرف العائلة وسمعتها».

وختم «كشفت بعض الدراسات عن القيمة الرمزية القوية للأبناء الذكور، فهم يحملون اسم الأسرة، ويحمون المركز الاجتماعي لأسرهم. وسمعنا من يقول «إنجاب ولد مدعاة للفخر والعزة». فإنجاب الولد دليل في أعين الجيران على فحولة الأب، ويُنظر أيضًا إلى الأبناء الذكور على أنهم حماة لأخواتهم، كما يشير إلى ذلك المَثَل الأرمني «قالت الأخت إن لها أخًا، ولم يقل الأخ إن له أختًا».

دعوة الأنبياء

يؤكد الشيخ سعيد عبدالله الجليل أن كثيرًا من الرجال، بل وأغلبهم أيضًا يرغبون في أن يكون بكرهم الأول ذكرًا ليحملوا اسمه، وهذا طبيعي، فالمولود الذكر الأول يحمل عن الأب همّ الحياة، ويكون سنده وعضده ويعتمد عليه بعد الله، بل إن الأنبياء دعوا الله بذلك، فهذا زكريا يدعو الله أن يهب له ولدًا يرثه ويرث من آل يعقوب، وحتى امرأة عمران تمنت أن تلد ولدًا يخدم الدين، ولكنها وضعت أنثى وقالت «ليس الذكر كالأنثى»، ولكن من هذه الأنثى جاء من يكون له شأن.

(آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا)، هذا ظن الناس، والبركة والخير فيما بارك الله فيه.

غريزة قلبية

يعتقد الرائد عبدالله محمد آل داشل أن «من حق أي رجل أو شاب أن يتمنى ويرغب في شيء، وهذه غريزة قلبية تتحكم بها عواطفه، لذا هناك كثير بل أغلبية الرجال يتمنون ولو في أنفسهم أن يكون مولودهم البكر الأول ذكرًا، والرغبة والأمنية من حقوق أي شخص، ولكن أن يعترض البعض أو يغضب ويضيق باله عندما يرزق بأنثى فهذا الذي لا يجب أن يكون، فمن يعترض على أمر الله عز وجل، وهو المعطي والوهاب والرازق، ولا ننكر أن هناك كثرًا لا يريدون أن يكون مولودهم الأول أنثى، وأنهم يفضلون الذكر معتقدين في دواخلهم أن المولود الذكر الأول سيجعلهم أشد اعتدادًا بالذات بين الناس، ولذا يقيمون الولائم والحفلات حيث يولد لهم ذكر، على عكس حالهم عند ولادة الأنثى».

وأضاف «من أسباب تفضيل كثيرين للذكر كونه سيحمل اسمهم واسم عائلته، وهو من سيكون صاحب الوصاية والولاية على أخواته، متناسين دور المرأة ومكانتها وفضلها للأسف الشديد، ولهؤلاء أقول أليس الذي رزقك بالأنثى برازقك بالذكر ولو بعد حين، كما أن البعض للأسف الشديد يتزوج بأخرى حتى يرزق منها بالذكور، إما بقناعة من نفسه وقرار ذاتي، أو استجابة للضغوط التي يتعرض لها من والديه أو من أحدهما لإجباره على ذلك، وهذا يحدث في مجتمعنا من قبل وحتى اللحظة».

وتمنى أن يعي كثيرون حقيقة الأمر، وأن يغيروا من أفكارهم، وأن يزداد وعيهم وثقافتهم.

وختم آل داشل «مسألة الإنجاب هي رزق وقسمة وحكمة من الله يقدرها لمن يشاء، قال تعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عقيما)».

تفكير رجعي

يشير الوالد حميد بن منصور آل شقيح، أحد أعيان منطقة نجران، إلى أن «الحرص على أن يكون المولود الأول ذكرًا تفكير قد أراه رجعيًا، ولا يجب الأخذ به، فهذا تقليل من أهمية الإناث، على الرغم من أنهن يمثلن نصف المجتمع، ومن أحسن تربيتهن وتعليمهن كنّ له سترًا من النار».

وقال «نحن لسنا في عصر الجاهلية نكره أن ننجب الإناث، بل نحن مجتمع إسلامي محافظ، ويجب النظر إلى الأمور بطريقة إسلامية، فليس هنالك ذنب للفتاة التي تعيش في كنف أهلها، فلماذا لا تُربى وتتعلم ونعطيها حقها على أكمل وجه، ففي ذلك وصية شرعية، والله سبحانه وتعالى هو الرزاق والمنان والمعطي فمن رزقك بالإناث سيرزقك بالذكور، ويجب على كل شخص أن يقوي إيمانه بالله ويرمي بمثل هذه الأفكار وأن يسلم أمره لله فهو من سيختار له الخير، فكم من رجل رزق بأولاد كانوا عاقين به، وكم من فتيات كن عونا لأهلهن رحيمات بهم، والأبناء والبنات من نعم الله فمن يحسن تربيتهم ويدعو بصلاحهم في دينهم ودنياهم».

الحدة تقل

مع تطور الوعي المجتمعي خفّت رغبة تمني أن يكون الولد الأول ذكرًا، لكن أمنية أن يكون المولود ذكرًا لا تزال في قمة صعودها، وذلك ليس حكرًا على المجتمع السعودي وحده، بل حتى على المستوى العربي، وللأسباب ذاتها تقريبًا، وهي المتعلقة بأن الولد يحمل اسم الأب ويرعاه في كبره ويكون له سندًا ومعينًا وعزوة، ولهذا فإن كثيرًا من المجتمعات العربية ما زالت تصر على أنه على الزوجة أن تستمر في الإنجاب حتى يأتي الولد، وحتى تتجنب الانفصال أو ارتباط زوجها بأخرى يأمل أن تنجب له الولد.

وتشير إحصاءات في مصر على سبيل المثال أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 92% من الرجال في مصر يفضلون إنجاب أطفال ذكور، وإن كان كثيرون منهم لا يغضبون كما كان الحال سابقا حين يرزقون بإناث.

ويشدد كثير من علماء الدين على أن تفضيل الذكور عن الإناث قضية نهى عنها القرآن الكريم، ونهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا تفرقة في الإسلام بين البنات والبنين.

مبررات يستخدمها البعض لتفضيل المولود الأول ذكرا

ـ الذكر عموما يحمل اسم العائلة.

ـ يزيد من عزوتها ونفوذها.

ـ يعد قوة إنتاجية إضافية للأسرة.

ـ هو من يبقى مع والديه عند كبرهما.

- قدومه يجنب أبويه ما يتعرضان له من ضغوط من محيطهما.

ـ ولادته تعزز مكانة أمه وسط عائلة أبيه ويمنحها الأمان.

ـ تحتاج البنت في تربيتها إلى عناية واهتمام أكبر.

ـ الذكر الأول يجعل كنية والده (أبو فلان) أيسر وأسهل.

ـ وجود الأخ الأكبر ذكرا مهم لرعاية أخوته لاحقا.

ـ كثيرون ينظرون للذكر كمصدر قوة لذا فولادته أولا تعزز استقرار الأسرة.