عندما نتناول قضية جودة سوق العمل المحلي، فإننا ولا شك لا نقفز في أطروحاتنا الكثيرة حول هذه المسألة عن قضايا لعل أهمها على الإطلاق الممكّنات التي تقود التحول في مخرجات الأداء المهني لدى الشباب، وبخاصة حديثي التخرج.

وإنه ليس سرا أن نذكر بأن جانبا كبيرا من تلك الممكّنات مفقودٌ في عنصر التدريب والتأهيل، ليس لأن سوقنا يفقتر إلى الخبرات، ولكن لأنه في أغلب الأحيان يفتقر إلى الإرادة في التعامل مع المسألة بجدية، وسبب ذلك أن العديد من المؤسسات، دون تخصيص أو تسمية، تتعامل مع تطوير الموظف أو الفني من زاوية الحاجة الآنية، بعيدا عن تطبيق مبدأ الاستباق نحو منافسة المستقبل التي تغفل عن اجتياحها الممكن سوق الخدمات أو التصنيع في أي وقت، ولهذا تخبو شركات بعد أن كانت ذائعة الصيت في المجتمع، ثم تندثر وتتلاشى نهائيا.

والممكّنات الجديدة اللازمة لتأهيل مهني أفضل لشبابنا هي ممكنات تقوم على عدة مرتكزات، لا يصح ولا ينبغي التهاون فيها إذا أردنا أن نبلغ أهدافا حقيقية نوعية، وليس مجرد شكليات ومظاهر.


ومن هنا، فإن شركات قطاعنا الخاص مدعوة، بواقع الحاجة وليس من قبيل الترف، إلى تحديد طبيعة التأهيل المهني الذي تنشده في شبابها من الموظفين والفنيين، ومن ثم تتبع ذلك بخطوة تحديد احتياجاتها من سوق التدريب الموثوق به، وصاحب السمعة والصيت المبنيين على الأداء والإنجاز.

ومرةً أخرى ليس على الشكليات، فكثيرٌ من مراكز التدريب يمكن وصفها بـ«الظاهرة الإعلامية غير الصادقة». إذًا نحن أمام خطة عمل يجب رسمها، وسياسة تدريب يجب تنفيذها، بحيث يكون لقسم شؤون الموظفين في كل مؤسسة أو لقسم التطوير، إن وُجِد، الدور الكامل في صناعة هذه العملية التطويرية الوجودية والمهمة جدا لكل مؤسسة، حيث سيرسم قسم التطوير في المؤسسة صورة واضحة، ينقلها للإدارة العليا، حول مستهدفات المؤسسة للسنوات الخمس القادمة، ومن ثم يتعاون مع كل الأقسام الأخرى في وضع تصور دقيق ومفصَل لكل الممكّنات المطلوبة لتحسين أداء الموظفين من الشباب، على وجه الخصوص، ومن ثم ينتقل بعد ذلك إلى مرحلة متابعة نتائج التنفيذ.

شبابنا، خاصةً من لا يمتلكون الخبرات، يمتلكون الهمة والرغبة في النجاح، ولكن يجب ألا نقتل همتهم ونشاطهم، وإبداعهم وتميّزهم بأن نُحْجِمْ ونمتنع عن تزويدهم بالمعرفة التراكمية الممتدة والمتدحرجة، الضرورية لهم، لكي يبدعوا أكثر، وينتجوا بثقة أكبر، ويتمكنوا من الشعور بأنهم ندٌ للشباب الآخرين حول العالم، وليسوا أقل منهم في مسألة تطوير الأداء، وتعظيم قيمة الذات في العمل. هذا، أولا وأخيرا، سيعني أيضا شيئا واحدا مؤكدا، وهو المزيد من الأموال والأرباح في جيوب المستثمرين وأصحاب الشركات، وليس العكس.