السعي في مصلحة هذه البلاد المباركة يتفق عليه جميع العقلاء، ويختلفون في مشاربهم في تحصيل هذه المصلحة.

وإذا قررنا ابتداء أنه ما من مشروع في الماضي والحاضر، حتى وفي المستقبل، على مستوى الحكومات والأفراد سيكون بمنأى عن الخطأ والنقص، فلا بد حتما أن يعتريه شيء من النقص والخلل، ولكن محل التمايز والاختبار هو الخط الأساس لهذه البلاد أو تلك.

فحين ترفع دولة ما في القرن الحادي والعشرين أن دستورها الكتاب والسنة، وتقف خلف ذلك، وتواجه العواصف العالمية في أشدها وأحلكها، وتراعي التوازنات الدولية، لهو -بلا شك- دلالة خير وأمارة صدق عند قادة تلك البلاد، وهذا ما يمثله خط هذه الدولة المباركة بمراحلها الثلاث إلى وقتنا الحاضر والمستقبل بحول الله.


إن الشريعة الإسلامية هي قدر هذه البلاد المبارك، وهو ما يفاخر به قادتها في كل محفل على الرغم من غربة المفتخرين بالإسلام، وهذا هو سر التوفيق ووصفة النجاة.

ولذا ينبغي على علماء هذه البلاد المباركة ودعاتها ومفكريها وآحاد الناس فيها أن يصطفوا جميعا خلف قيادتها بالتأييد والدعاء لا على رؤوس المنابر فقط، وإنما في عباداتهم وخلواتهم، فلا مجال للحياد في مصالح بلدهم واستقرار دولتهم وحماية قادتهم.

لقد جاء نظام الأحوال الشخصية بمبادرة كريمة من سمو ولي العهد -حفظه الله، ليقطع الطريق على المناوئين لهذه البلاد، والمشككين في تبني هذه الدولة المباركة أصول الإسلام ومبانيه العظام.

لقد كان بالفعل ضربة قاضية لمن يشكك في صدق توجه هذه البلاد المباركة.

وإننا إذ نستذكر هذا المنجز العظيم، فإننا في الوقت نفسه ننعي على طائفة من المخذلين الصامتين الذين يتعامون عن تاريخ هذه الدولة، ويشيحون بوجوههم عن إنجازاتها.

إنهم بالفعل حجر عثرة أمام لحمتها وترابطها، والسعي في استقرارها.

إن الواجب الشرعي والأخلاقي يحتم علينا أن نصدح بحب ولاة الأمر «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم»، ونلهج بالدعاء لهم، والثناء عليهم، وذكر محاسنهم، وإن نقدهم والتعريض بهم في المجالس الخاصة لهو خطوة بلاء وفتنة، كما قال عبدالله بن عكيم - رضي الله عنه:«لا أعين على دم خليفة بعد عثمان»، فقيل له: «وأعنت على دمه؟»، فقال: «إني لأرى ذكر مساوئ الرجل عونا على دمه».

لقد أدرك رضي الله عنه أن نقد الخليفة علنا، وفي مجالسه الخاصة، ليس إلا نتيجة حتمية لتأليب الناس عليه.

وإنه ليطول عجب المرء حين يرى بعض الناس يتورع عن الحديث عن آحاد الناس ممن ليست له شخصية اعتبارية تحت قاعدة تحريم غيبته، وهذا لا شك أنه حسن، ولكنه لا يتورع عن أعظم من ذلك، فلا يتردد ولا يتوانى عن غيبة ونقد ولاة أمره باسم النصيحة وإبداء الرأي.

إنها وقاحة عظيمة الخطر حين يلبس المرء معصيته بلباس الغيرة على الدين والدفاع عنه، فما تلك طريقتها؟!، وما ذاك بابها؟، بل واجب النصيحة يقتضي ما يلي:

1- الدعاء لولي الأمر في السر والعلن، فأصدق الدعاء وأصوبه ما كان في ظهر الغيب، وتحري مواطن إجابة الدعاء.

2- ذكر محاسنه وإنجازاته في سياسته للبلاد والعباد.

3- النصيحة الصادقة له في السر، وكل بمقامه وحسب قدرته.

4- عدم التأثر والاندفاع خلف بعض العقول المشوشة التي تفسد أكثر مما تصلح، فهناك من يقتات على الإثارة.

5- عدم التوجس والريبة والتردد في قرارات ولاة الأمر، فلا بد أن تدرك أنهم أحرص وأغير على البلد منك.

وهذه هي حقيقة الالتفاف الحسي والمعنوي حول ولاة الأمر -وفقهم الله -.

وفي الختام.. لا بد أن ندرك ونحن نرى الناس يتخطفون من حولنا، بينما نحن في غاية الاستقرار والأمان، أن ذلك لم يكن بعد توفيق الله وحفظه إلا بالاجتماع والترابط، والتلاحم والتآزر بين القيادة والشعب.

ذلكم أن الاجتماع قوة والترابط غلبة. سدد الله الخطى وبارك في الجهود.