بدعوة كريمة من أخي سعادة السفير القطري بالمملكة العربية السعودية حضرت في الأسبوع الماضي منتدى الدوحة الثاني عشر الدولي والذي كان عنوانه مؤتمر (إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط) والذي ركز على بعض القضايا الاقتصادية العالمية المهمة وبمشاركة رموز اقتصادية عالمية تحدثت بكل شفافية وجرأة. ومن أهم المواضيع التي طرحت للنقاش موضوع أزمة الغذاء العالمية، والتي قيل إنها هي كارثة العالم القادمة، والتي قد تكون هي أحد أسباب قيام الحرب العالمية الثالثة. ويرى البعض أنه إذا كان صراع القوى العظمى في القرن الماضي على منابع البترول لضمان سلامة وصول إمدادات البترول والغاز إلى الدول الصناعية لتحريك الآلة الصناعية الجبارة وضمان بقاء الدول الصناعية في المقدمة لدول العالم، حيث إن البترول والغاز أصبحا سر التقدم وأساس التنمية الحديثة، حيث ارتبطت بالنفط ومشتقاته معظم الصناعات والخدمات الأساسية، إلا أن الصراع في القرن الحالي سيركز على المياه، وسيكون أشد وأشرس حدة، وذلك لأن الماء أساس الحياة، وهو أهم عنصر لتوفير الغذاء لضمان الحياة. وكما يقول روبرت مكنمار وزير الدفاع الأميركي الأسبق إن مفهوم الأمن على أنه موضوع الدفاع العسكري داخلياً وخارجياً هو أمر سطحي وضيق، لأن الأمن العسكري هو وجه سطحي ضيق لمسألة الأمن الكبرى، فهناك الكثير من الجوانب غير العسكرية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسألة الأمن القومي وعلى رأسها الأمن الغذائي والاقتصادي، ومسألة المياه أساس الأمن الغذائي وأزمة الغذاء ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأزمة المياه والتي تعاني منها معظم دول الوطن العربي، نظراً لوقوعها في الحزام الجاف وشبه الجاف من العالم. حيث إن الموارد المائية المتجددة فيه تقل عن 1% من المياه المتجددة في العالم، ونصيب الفرد العربي من المياه 1744 مترا مكعبا سنوياً مقارنة بالمعدل العالمي الذي يصل إلى 12900 متر مكعب، ومعدل هطول الأمطار بالوطن العربي بين 5 إلى 450 ملم سنوياً، في حين يتراوح في أوروبا من 200 إلى 3000 ملم سنوياً. وتمثل الصحاري 43% من إجمالي مساحة الوطن العربي.

إن الأرقام المتعلقة بالمياه العذبة في العالم تدعوني للقلق الكبير، حيث إنها لا تمثل أكثر من 3% فقط من مجمل المياه الموجودة في الأرض و77.6% منها متجمدة و21.8% مياه جوفية والكمية المتبقية لا تتجاوز 0.6% هي المسؤولة عن تغطية احتياجات أكثر من ستة مليارات من سكان الأرض سواء في احتياجات الشرب والزراعة والصناعة وبقية الاحتياجات الأخرى. أما عن المياه في العالم العربي والذي يمثل عُشر مساحة اليابسة فإنه يُصنف من أفقر المناطق في العالم في مصادر المياه العذبة، حيث لا يحتوي إلا على أقل من 1% فقط من كل المياه الجارية السطحية وحوالي 2% من إجمالي الأمطار في العالم.

وفي دول الخليج تتم تحلية مياه البحر بنسبة 75% من المياه المستخدمة فيها، أي بنسبة90% من إجمالي إنتاج المنطقة العربية من المياه المحلاة، وبناء على بعض الإحصائيات فإن 65% من إجمالي المياه المحلاة في العالم هي في العالم العربي وفي دول الخليج بصفة خاصة.

إن أزمة المياه المتسببة في أزمة الغذاء سوف تسهم في ارتفاع أسعار الغذاء كل عام، وهذا ما أعلنته مجموعة البنك الدولي في عام 2011 ، أن أسعار المواد الغذائية العالمية قد ارتفعت بنسبة 36% من مستوياتها المسجلة قبل عام، مما دفع شريحة كبيرة من السكان إلى حافة الفقر. ويقول روبرت ب. زوليك رئيس مجموعة البنك الدولي: "علينا أن نضع توفير الغذاء على سلم أولوياتنا وأن نحمي الشرائح الفقيرة والمتأثرة التي تنفق معظم دخلها لتوفير الطعام".

وحسب تقرير مراقبة أسعار الغذاء العالمية فإن حدوث زيادة أخرى بنسبة 10% في الأسعار العالمية للمواد الغذائية يمكن أن تدفع عشرة ملايين شخص آخرين تحت خط الفقر المدقع البالغ 1.25 دولار أميركي للفرد في اليوم، أما لو ارتفعت الأسعار بنسبة30% فقد يؤدي ذلك إلى سقوط 34 مليون شخص آخر تحت خط الفقر، هذا إذا علمنا أن 44 مليون شخص سقطوا بالفعل في شهر يونيو من العام الماضي تحت خط الفقر نتيجة زيادة أسعار الغذاء، ليصبح إجمالي السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر حسب تقديرات البنك الدولي حوالي 1.2 مليار شخص، وقد ارتفع مؤشر البنك الدولي لأسعار الغذاء الذي يقيس الأسعار العالمية بنسبة 36% عن مستواه المسجل قبل عام. وهذا يؤكد أن هناك كارثة قادمة. ويتوقع الخبراء أن عام 2030 سيكون عاماً كارثياً على البشرية، حيث لن يستطيع ملياران ونصف المليار شخص على الأرض توفير الحد الأدنى من الغذاء الذي يضمن لهم الحياة فقط.

وهذا كان هو أحد المحاور الأساسية لمؤتمر الدوحة الثاني عشر، حيث ناقشنا في إحدى ورش العمل الجانبية وسائل مواجهة تحديات الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، وهي إحدى أهم الجلسات النقاشية والتي تحدث فيها سعادة السفير القطري المخضرم (بدر دفع) الذي يقود أحد أهم المشاريع الإنسانية لمحاربة التصحر والبحث عن البدائل لتوفير المياه.

وهذا يدفعني اليوم لطرح قضية مستقبل المياه في المملكة العربية السعودية بعد مئة عام، وبالتحديد بعد أن ينضب البترول والغاز، أساس تشغيل محطات المياه. وأجزم بأن الحل الوحيد لتوفير المياه للجزيرة العربية سيظل هو تحلية مياه البحر ولكن بتقنيات حديثة تستغني عن البترول والغاز وتعتمد على الطاقة الشمسية في تحلية المياه والتي بدأت ببعض التجارب المتواضعة والناجحة وبالإمكان تطويرها. وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أدعو دول الخليج لوضع إستراتيجية جديدة لتحلية مياه البحر عن طريق الطاقة الشمسية وتوجيه الأبحاث الإستراتيجية المدعومة بالميزانيات للبحث عن تقنية حديثة لتحلية المياه.