ولما كان التعصب الفكري ينوء بالمنغصات المقلقة فإن التعصب العرقي أو القبلي أو الطائفي لا يقل سوداوية وظلمة في تكريس للاحتقار المقيت وإثارة الضغائن، حين يجهز على قيمة الإنسان الذي كرمه المولى تبارك وتعالى، وبنفس القدر الذي يشعر به الإنسان من ألم معنوي إزاء محاسبته لنفسه وتأنيب ضميره له في أمر جانب فيه الصواب، بنفس القدر الذي يؤثر فيه ذلك على مسألة الرضا عن الذات في شيء اكتسبه أو صدر عنه، فأنت لا تملك أن ترضي نفسك، وقد انتقصت من أداء الآخرين وجرحت مشاعرهم.
هذا التوازن الارتدادي التلقائي أو بالأحرى الفطري بقيادة الضمير اليقظ الذي لا يكل ولا يمل في محاصرة المقصرين يدفع باتجاه التصحيح، وقياس الأثر من عمل لا يليق بغية تمكين محفزات الخير في السبق وكسب مساحات في القلب، إذ يعزز التوازن بهذا الصدد مقولة كما تدين تدان وإن معنويًا على أقل تقدير.
نسبة كبيرة من المشاكل الأخطاء المرهقة تنحدر من التعصب آفة العصر وربيبه المدلل التمييز، وحينما تتكئ الأخلاق الرديئة على الدافع السيىء، فإن ذلك يفضي إلى سوء الخلق سواء على مستوى السلوك أو من خلال التصرف على نحو يؤذي الآخرين وينتقص من مكانتهم ويؤذي مشاعرهم، واللافت أن هذا العنصر المقيت لا يلبث أن يلقي بظلاله الكئيبة على العقل والقلب معا، والسؤال هو كيف يتيح الإنسان السوى له ذلك؟
إنه فعلًا أمر يثير الاستغراب، قوة تأثير هذه الآفة على العقل السليم باتت تشكل قلقًا متزايدًا، ويُعزى ذلك في تصوري الى ضعف تمرير تأثير الأدب بشمائله على الشعوب والقبائل المتعارفة، التمييز الساعد الأيمن للتعصب وما أثقل حروفه على الكيبورد وأأمل ألا ينطبق عليه قول الشاعر: إذا حل الجهاز بدار قوم ولكن الرحيل إلى أين؟
لاشك في أنه أمر في غاية السوء كونه يتكئ على تصنيف جائر ويفتقر إلى المنطق والموضوعية، فالكل سواء في الحقوق والواجبات وخلقهم المولى تبارك وتعالى من نفس واحدة، المعركة الوجدانية بين الخير وطرق سبله الشيقة، وبين الشر وآثاره المهلكة المدمرة يكمن في تنمية القيم النبيلة وتعزيز الروابط الإنسانية تحت مظلة الأدب الشامل والارتباط بمآثره التي تتكفل بحماية الشعور والسلوك والتفكير على حد سواء.
ردم هذه المستنقعات المؤذية بحاجة إلى طاقة إيجابية تبث الروح في المشاعر والأحاسيس وفق توجه صادق يفيض نبلًا ليؤصل مكارم الأخلاق الفاضلة في تجانس بديع مع ما يستحقه الناس على اختلاف مشاربهم وأماكنهم.
إلى ذلك فإن تعزيز الروابط الإنسانية وتنميتها، وإشاعة روح المحبة والتسامح يضيق الخناق على هذا العنصر البغيض ويحد من امتداد آثاره السلبية السيئة.
إن المسؤولية الأدبية تقع على عاتق التربويين والأدباء والمثقفين في تجسير الهوه بين الأدب والناس، والاتكاء على المحاكاة الإيجابية السلسة والتجربة الملهمة للارتقاء بمستوى الشعور والإحساس بقيمة الإنسان وحقه في العيش الكريم بدون فضل ولا منة، وامتدادًا لأداء دور المثالية هذه الكلمة الجميلة الرائعة في معناها ومحتواها على نحو لائق فهي ضابط إيقاع الحياة المستقرة الهانئة وبالله التوفيق.