أثبتت المملكة كفاءتها في إنجاز وإدارة مبادراتها نحو التحول الرقمي في وقت قياسي، والذي يأتي ضمن جهودها المتعددة لتحديث الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل كأحد ركائز رؤية 2030. ولم تكن تلك الجهود لتتكلل بالنجاح دون وجود دعم حكومي واستثمار في البنية التحتية الرقمية، إلى جانب تعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص في المملكة مع ضمان التشريعات والسياسات الملائمة للنهوض بهذا القطاع الحيوي.

فبنية تحتية رقمية تتمتع بسرعات عالية وقدرات استيعابية ضخمة حري بها أن تساهم في ازدهار نمو الاقتصاد الرقمي بالمملكة، وتمكين تقنيات الثورة الصناعية الرابعة على وجه التحديد. تعد شبكات اتصال الجيل الخامس أحد أهم ممكنات الثورة الصناعية الرابعة وتقنياتها؛ كتقنية الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، وذلك لقدرة شبكات الجيل الخامس على توفير ربط بيني شامل بين عناصر شبكات الاتصال، وتحقيق سرعات إنترنت عالية بقدرات استيعابية هائلة.

ويتطلب إطلاق الجيل الخامس من الاتصالات توفر طيف ترددي بنطاقات متعددة لتلبية السعات والسرعات العالية لخدمات الاتصالات اللاسلكية التي توفرها تقنيات الجيل الخامس.


عليه حررت المملكة حزما كبيرة من الطيف الترددي لمشغلي الاتصالات اللاسلكية، واستثمرت في البنية التحتية الرقمية للشركات المشغلة كأحد طرق تقديم الدعم ضمن مساعيها الرامية لتسريع جهود التحول الرقمي.

ولقيت جهود المملكة في منح المزيد من السعات الترددية لتوفير خدمات الجيل الخامس إشادات دولية، من أبرزها ما ذكره الاتحاد الدولي للاتصالات من أن خطوات المملكة الطموحة ستمهد الطريق لها لتصبح رائدًا إقليميًا وعالميًا في تقنيات الجيل الخامس.

ولا تقتصر شبكات الجيل الخامس على إتاحة خدماتها للأفراد فحسب، بل تلبي احتياجات قطاعات متعددة كالطاقة، والصحة، والتعليم لمواكبة رحلتها التحولية إلى العالم الرقمي فاتحةً لها آفاقا أرحب من الخدمات والتطبيقات، ولترفع مستويات الكفاءة التشغيلية لتلك القطاعات، مساهمة بذلك في نمو اقتصاداتها وتنوعها.

أحد أبرز الأمثلة على مساهمة شبكات الجيل الخامس في تعزيز الاقتصاد الرقمي للمملكة هو تمكين الاتصال والربط في مشاريع رؤية المملكة الكبرى كمدينة «نيوم» أحد مدن المستقبل التي توظف التقنيات الحديثة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتساهم في الرفاه الاجتماعي.

وتتعدى تطبيقات الجيل الخامس جانب تقديم خدمات الاتصال عالي السعة والربط الشبكي إلى تعزيز الاستدامة البيئية عن طريق تقليل انبعاثات الكربون وزيادة الكفاءة التشغيلية لمحطات إنتاج الطاقة على سبيل المثال.

فاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أو إنترنت الأشياء في جانب إنتاج الطاقة يلعب دورا مهما في جمع وتحليل بيانات استخدام الطاقة، والمساعدة في اتخاذ القرارات عبر تحديد القيم المثلى للتشغيل أو الإنتاج.

ولتعظيم الاستغلال الأمثل لتقنيات الجيل الخامس، من الأهمية بمكان زيادة التنسيق والتكامل بين جهات القطاع العام والخاص. مع الالتفات لتعزيز آفاق التعاون بين الجهات الأكاديمية والبحثية والقطاع الحكومي من جهة وبين الشركاء في القطاع الصناعي، وكذلك كبرى شركات التقنية الكبرى بالمملكة من الجهة الأخرى.

كما تشمل أوجه التعاون المقترح صناديق الابتكار المشتركة، والعمل المشترك لتقييس المعايير والمواصفات التقنية إلى جانب تطوير المواهب المحلية.

وقد بدأت بالفعل أوجه تلك التعاون بين الشركاء في القطاع العام والخاص تؤتي ثمارها، ومن ذلك تمهير وتمكين المهندسين حديثي التخرج بمهارات وتقنيات شبكات الاتصال الحديثة، ودعم إنشاء مختبرات ومراكز ابتكار مشتركة متقدمة في الجامعات مخصصة لأغراض البحث والتطوير في تقنيات الاتصالات التي يقدمها مزودو شبكات الاتصالات العالميين كشركة هواوي التي تركز على سوق المملكة كأحد أهم أسواقها الاستراتيجية العالمية التي توفر فيها التقنيات المتطورة كالجيل الخامس والسحابة الإلكترونية، إضافة لنشر حلول ومنتجات أعمالها الجديدة في مجال الطاقة الرقمية الخضراء ومبادراتها لتدريب وتمكين جيل تقني قيادي مستقبلي ينتقل بالمملكة لعصر جديد من الاقتصاد الرقمي المستدام القائم على المعرفة.

وليس إعلانها مؤخرًا في مؤتمر LEAP عن بناء منطقة مخصصة للحوسبة في المملكة وتوفير الخدمات السحابية المتطورة لتسهيل أعمال الشركات المحلية والمؤسسات والهيئات الحكومية في المملكة وأنحاء المنطقة، إلا مثالاً عن الإمكانيات التي يمكن أن يضعها القطاع الخاص على طريق التنمية الشاملة في المملكة.

ونظرًا لما سبق، من الضروري زيادة التعاون وبناء الشركات ليس مع الجهات المحلية المعنية بالقطاع وحسب، بل مع الشركاء الدوليين وشركات التقنية العالمية أيضا للإسهام في تعظيم الاقتصاد الرقمي ، وتحقيق مستهدفات رؤية 2030 الطموحة.