وبقيت المسؤولية المجتمعية لكثير من الشركات السعودية، وعلى الأخص ذات العوائد الاقتصادية الضخمة، في دائرة الاتهام بالقصور على الرغم من تدشين إستراتيجية المسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية في سبتمبر 2020، حيث يرى كثير من المختصين أن جهود تلك الشركات ما تزال دون نتائج ملموسة على أرض الواقع على الرغم من الأرباح المليارية التي تحصدها تلك الكيانات الاقتصادية الكبرى مثل البنوك وشركات الاتصالات وغيرها.
وتعزف كثير من الشركات الوطنية بشكل خجول عن أداء مسؤوليتها المجتمعية أو تحصرها فقط في إطار التبرعات الضيقة، دون أن تحدث أثرا إيجابيا منتظرا.
وعلى الرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت بعض التطور في جانب المسؤولية الاجتماعية للشركات، إلا أنه تقريبا ينحصر في المشاركة بحفلات خيرية للتبرع لقضايا محددة، وفي إطار تسابق دعائي بين الشركات، وهو ما يؤكد أن قطاع الأعمال ما يزال الأكثر تلكؤا في اعتماد المسؤولية الاجتماعية للشركات كمبدأ إستراتيجي.
وأظهرت دراسة أجراها «مجلس المسؤولية الاجتماعية» أن هناك 4 اهتمامات يفترض بالشركات أن تركز عليها، وهي التعليم، والتوظيف، وتنمية الشباب، والتنوع الجنسي.
وأجمع 87 % من خبراء المسؤولية الاجتماعية للشركات أن المبادرات التعليمية هي أهم هذه الأمور، إلا أن الواقع ما يزال يؤكد بعد الشركات عن هذا الأمر.
أنشطة تطوعية
يرى عضو الجمعية السعودية للاقتصاد، الناشط في المسؤولية الاجتماعية الدكتور عبدالله المغلوث في حديثه لـ«الوطن» أن «المسؤولية الاجتماعية للشركات تعرف بأنها الأنشطة التطوعية التي تقوم بها الشركة للعمل بطريقة اقتصادية واجتماعية ومستدامة بيئيا، والهدف الرئيس من برامج المسؤولية الاجتماعية هو تعزيز الاستدامة».
وأضاف «أعمال المسؤولية الاجتماعية تتركز في العمل التطوعي، حيث تشجع الشركات موظفيها على العمل التطوعي، وفي حماية البيئة، وهناك شركات رائدة وضعت برامج لحماية البيئة المستدامة، وفي المعاملة الأخلاقية للعاملين، ودعم الأعمال الخيرية».
وتابع «مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتناول مواضيع مثل حوكمة الشركات ودعم برامج الصحة والسلامة وتقليل الآثار البيئية، وتهيئة البيئة المناسبة في ظروف العمل وحقوق الإنسان والمساهمة في التنمية الاقتصادية».
ممارسات خاطئة
بين المغلوث أنه «على الرغم من أن الوعي بالمسؤولية الاجتماعية يجد تناميا حكوميا وإعلاميا، لكن هناك ممارسات خاطئة ينتهجها بعض الشركات المحلية كالبنوك وغيرها، حيث تستخدم مسؤوليتها المجتمعية لتسويق خدماتها وإبراز علامتها التجارية، وأعتقد أن المبادرات المحلية من قبل بعض الشركات التجارية هي مجرد تبرعات واحتفالات في مناسبات معينة، ولا ترقى إلى المعنى الحقيقي للمسؤولية الاجتماعية المستدامة، الهادفة إلى خلق برامج متنوعة على المدى الطويل لخدمة المجتمع ورد جميلة، وأرباح الشركات قائمة على هذا المجتمع».
تعزيز المسؤولية
يهدف البعد الرابع ضمن الأهداف الإستراتيجية لعمل برنامج التحول الوطني التمكين الاجتماعي إلى بناء معيار وطني وسياسات ومحفزات لتفعيل برامج المسؤولية الاجتماعية كما يؤكد المغلوث، ويقول «يجب تفعيل المسؤولية الاجتماعية عبر نشاطات تنعكس إيجابا على البيئة والعملاء والموظفين وذوي العلاقة، وتدعم دور الحكومة في تقديم الخدمات للمجتمع، وتزيد مستوى التكاتف الاجتماعي».
وتابع «حسب وثيقة عمل برنامج التحول الوطني تهدف مبادرة تعزيز قيام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية الموكلة إلى برنامج التحول الوطني إلى توفير حزمة محفزات تستهدف الشركات للقيام بدورها في تأسيس مؤسسات أهلية، والقيام بحملات توعوية تعّرف بإنجازات قطاع الأعمال في المساهمة المجتمعية وزيادتها وتنوعها».
فرص مثالية
عدّد المغلوث فرصا رائعة أمام الشركات الخاصة لدعم البرامج التي تحد من بطالة الشباب وتأهيلهم للعمل، ودعم البرامج التطوعية المجتمعية التي تتبناها الأندية والمراكز المجتمعية، ودعم القطاعات التي تسعى للتقليل من استهلاك الطاقة، ودعم المراكز والهيئات التي تسعى لمكافحة الفقر ومساعدة الأسر المحتاجة وذوي الاحتياجات الخاصة، كذلك دعم المؤسسات المجتمعية التي تسعى لتخفيف معاناة المصابين بالأمراض المزمنة كالسرطان وغيره، وكذلك إطلاق الحملات التوعوية بين فئات المجتمع عن كافة الأمراض المزمنة المنتشرة محليا، مضيفاً بأن هناك اتجاه عالمي متزايد نحو إدراج برامج المسؤولية الاجتماعية ضمن أجندة العلاقات العامة والتسويق في الشركات، حيث تعمل الشركات الكبرى عالميا على الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية من خلال خلق برامج ومبادرات للمجتمع. ومن التجارب العالمية الناجحة تبرعت شركة «تومز» للأحذية بجزء من مبيعات النظارات التي تصنعها الشركة لرعاية البصر للأطفال المحتاجين. ويشارك موظفو الشركة في حملة الأحذية السنوية، حيث يسافرون ويتبرعون بمجموعة متنوعة من السلع للأطفال.
فرص مثالية للشركات في المسؤولية الاجتماعية
ـ دعم البرامج التي تحد من بطالة الشباب وتؤهلهم للعمل
ـ دعم البرامج التطوعية للأندية والمراكز المجتمعية
ـ دعم القطاعات التي تسعى للتقليل من استهلاك الطاقة
ـ دعم المراكز والهيئات التي تسعى لمكافحة الفقر
ـ دعم المؤسسات الساعية لتخفيف معاناة المصابين بالأمراض المزمنة
ـ إطلاق حملات توعية عن كافة الأمراض المزمنة المنتشرة محليا
أشكال وأبعاد
بين المغلوث أن «المسؤولية الاجتماعية للشركات تأتي في عدة أشكال، بدءًا من الأعمال الخيرية، وانتهاءً بالتنمية المستدامة».
وأوضح «تهدف الرؤية السعودية إلى نهج تنموي أكثر استدامة، من خلال رفع الوعي بمفهوم المسؤولية الاجتماعية، وإزالة اللبس بينه وبين العمل الخيري والتبرعات، وإنشاء البنية التحتية وممكنات المساهمة من خلال إستراتيجية لتحوير عطاء الشركات من عمل عفوي إلى عمل ممنهج ومستدام، وتعتمد منظومة المسؤولية الاجتماعية للشركات على 3 أطراف رئيسة، هي:
1ـ المساهمون وهم الشركات بمختلف أحجامها
2ـ الوسطاء وهم الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية
3ـ المستفيدون.
ويتمحور هذا الطرف في ثلاثة أبعاد رئيسية، هي:
1ـ البيئة، وتشمل الأمن المائي والمناخ والحياة الفطرية وغيرها.
2ـ الاقتصاد، ويشمل المحتوى المحلي والريادة الاجتماعية والمدن المستدامة.
3ـ المجتمع، ويشمل كبار السن وذوي الإعاقة والمستهلكين وغيرهم».
هيئة مستقلة
طالب المغلوث بهيئة مستقلة أو وزارة تعمل على المسؤولية الاجتماعية، على أن تكون هناك مشاريع كبيرة تخدم المواطن والمجتمع وتقوم بتنويع الأهداف والمشاريع، مقترحا ربط أي تصنيف أو ترقية أو تمييز للبنوك والشركات والمؤسسات من خلال العطاء والمشاركة في تقديم مشاريع تخدم المسؤولية الاجتماعية حتى يشعر المواطن والمجتمع بكامله بدورها.
تحقيق الطموحات
أوضح نائب المدير العام، المتحدث الرسمي لجمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية بشيت المطرفي لـ«الوطن» أنه «لا شك أن للقطاع الخاص في بلادنا دورا كبيرا ينتظره للمساهمة في تحقيق الرؤية، والعمل على إنجاز مستهدفات برامج التحول الوطني، حيث تقع على عاتق شركات ومؤسسات هذا القطاع الخاص مسؤوليات مجتمعية في إطار إطلاق مبادرات مجتمعية مدعومة ومموّلة بشكل سخي تتعلق بعدة محاور، منها البيئة والتدريب والتأهيل والتعليم والصحة والقضاء على الفقر والعمل التطوعي وكفالة الأيتام وتمكين المرأة ودعم الروابط الأسرية».
وأضاف «هناك نماذج إيجابية في ممارسات المسؤولية المجتمعية لدى بعض الشركات الصناعية والمالية والخدمية في بلادنا، لكن الطموح أكبر، خصوصا مع ما تحظى به الشركات والبنوك من دعم اقتصادي كبير ومن تسهيلات ومرونة في تيسير إجراءات أعمالها ودعم أنشطتها».
وأضاف «البعض ينظر، وهو محق في ذلك، إلى حجم الأرباح المتنامية لبعض الشركات، ومع ذلك لا يجد أثرا لمسؤوليتها الاجتماعية يتوازى مع مكتسباتها التي حققتها من خلال أنشطتها ومشاريعها، وبقدر ما تؤمن هذه الشركات بأهمية ممارستها لمسؤولياتها المجتمعية ومشاركتها في التنمية بقدر ما تعزز حضورها في السوق السعودي».
تنظيم الأعمال
بيّن المطرفي أن تنظيم الأعمال تطور على مستوى المسؤولية المجتمعية محليا وعالميا، وقال «محليا، وافق مجلس الشورى منذ عام 1440 على مشروع الهيئة الوطنية للمسؤولية للقطاع الخاص الذي من شأنه تنظيم ودعم ممارسات المسؤولية المجتمعية، ووضع الشركات لإستراتيجيات المسؤولية المجتمعية وحفز قيامها بواجباتها نحو الوطن، وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، وتفعيل دور القطاع الخاص في خدمة المجتمع والأفراد بما يعزز جودة الحياة لديهم، ويحسن مستوى معيشتهم ويسهم في إيجاد فرص عمل تسهم في بناء المجتمع المتحضر والمنسجم مع الاتجاهات العالمية في مواكبة التغيرات والمستجدات على مستوى التقنية والوظائف الجديدة والابتكار وريادة الأعمال».
وأوضح «عالميا، انطلقت مواصفة الجودة، آيزو 26000 المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية والتي تتضمن معايير يحسن أن تعمل عليها الشركات لتقف في مصاف الشركات الكبرى في مجال ممارستها لمسؤولياتها، وتركز هذه المعايير في الغالب على الحوكمة المؤسسية، وكذلك حقوق الإنسان في العمل والغذاء والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، والممارسات العمالية وممارسات التشغيل العادلة ومنها المتعلقة بظروف العمل والحماية الاجتماعية والتدريب والتطوير، ومسؤوليات الشركات تجاه المستهلكين ونوعية وجودة المنتجات المقدمة لهم، إضافة إلى دور هذه الشركات في تنمية المجتمع المحيط ومستوى محافظتها على البيئة».
أهداف إستراتيجية المسؤولية الاجتماعية
ـ تحليل واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة
ـ مقارنة معيارية لأفضل الممارسات الدولية في المجال
ـ ترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية في قطاعات التنمية كافة
ـ تعزيز مساهمة الشركات في برامج المسؤولية الاجتماعية
ـ تأسيس بنية تحتية للمسؤولية الاجتماعية
6 ركائز
1ـ الشراكات والحوكمة
2ـ الأنظمة واللوائح
3ـ التخطيط الوطني
4ـ التحفيز والتشجيع
5ـ التوعية وتطوير القدرات
6ـ الرصد والقياس
معايير مواصفة الجودة آيزو 26000 المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية
ـ الحوكمة المؤسسية
ـ حقوق الإنسان في:
1ـ العمل
2ـ الغذاء
3ـ الصحة
4ـ التعليم
5ـ الضمان الاجتماعي
ـ الممارسات العمالية
ـ ممارسات التشغيل العادلة
ـ الحماية الاجتماعية
ـ التدريب والتطوير
ـ مسؤوليات الشركات تجاه المستهلكين
ـ دور الشركات في تنمية المجتمع المحيط
ـ مستوى محافظة الشركات على البيئة
تجارب عالمية لشركات
شركة «تومز» للأحذية
ـ تبرعت بجزء من مبيعات النظارات التي تصنعها لرعاية البصر للأطفال المحتاجين
ـ يشارك موظفو الشركة في حملة الأحذية السنوية
ـ يسافر موظفوها ويتبرعون بمجموعة متنوعة من السلع للأطفال
شركة سيمنز الألمانية
ـ تنتج تقنيات لإنتاج الطاقة البديلة
ـ توفر المعدات الطبية
ـ تؤمن أنظمة التدفئة التي تحافظ على الطاقة
شركة جنرال إلكتريك
ـ يتطوع موظفوها بأكثر من مليون ساعة سنويا
ـ تقدم تبرعات للأطفال الذين يعانون التوحد
ـ تدعم برامج محو الأمية
شركة «كيسكو»
ـ تدعم مشروعات التعليم
ـ تدعم برامح الرعاية الصحية
ـ تقوم بأعمال إغاثة في المناطق المحتاجة
ـ سجل موظفوها 160 ألف ساعة تطوعية في جميع أنحاء العالم في السنة الواحدة.