يأتي حديث أمير الحلم السعودي (لمجلة «أتلانتيك»، مارس 2022) ضمن مجموعة من الأحاديث الصحفية والمتلفزة، التي ترسم بهدوء ورشاقة الخطوط العريضة لما ستكون عليه سعودية الحلم 2030، وفي كل مرة تقرأ حديثه أو تسمع كلامه، يتبادر إلى ذهنك أن ما قاله هو الغاية والمنتهى، ولكنه يفاجئك في المرة التي تليها أن ما قيل هو قليل مما لم يقل، وهذا سر من أسرار العظماء على مر التاريخ.
الحديث هذه المرة لم يكن عاديًا، بل احتوى كمًا هائلًا من الرسائل التي صاغها الأمير الحلم بأسلوبه الفريد أثناء الحديث الذي اتسم بالمباشرة، والوضوح، والدقة، وإيصال المعنى بأوجز عبارة.
كانت الرسائل موزعة على مختلف الجهات: المواطن السعودي، وتشمل المقيم، والمسؤول السعودي سواء الدائرة القريبة من صنع القرار، أو الدوائر الأبعد، وتشمل دول الجوار الإقليمي، ودول العالم ممن لنا معهم مصالح وشراكات إستراتيجية ذات جذور عميقة.
وبحديث قادة طرفي النزاع في المسألة الأوكرانية، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى سموه الكريم، مع هذا الحديث لمجلة «أتلانتيك»، أُدرك وأنا السعودي الذي يعتز بأصالته وجذوره، مدى أهمية وطني العالمية، ومدى قدرة قادتي على الحفاظ على هذه المكانة وتعميقها، وترسيخها أكثر.
وعودة على مجموع أحاديث سمو الأمير محمد بن سلمان، والتي جاء من آخرها حديثه لمجلة «أتلانتيك»، فإننا نحتاج إلى قراءتها قراءة تحليلية، لرسم خارطة حقيقية لواقع ومستقبل المملكة العربية السعودية، والخروج بمستخلصات إعلامية، يمكن بها الرد على سيل الأكاذيب التي تحاول تشويه صورة السعودية في عين العالم، من خلال مؤسسات إعلامية وصحفية ومراكز أبحاث معروفة، يقف خلف معظمها لوبيات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية سواء في الشرق الأوسط، أو في أمريكا وأوروبا.
وعلى إعلامنا وإعلامينا ومثقفينا نفض الكسل عنهم، والتحرك بهذا الاتجاه فورًا، مع حفظ التقدير والاحترام لمن يعمل بجد في هذا الصدد.
وكم كان الفخر والاعتزاز يملؤني وأنا أقرأ كلام أمير الحلم السعودي، حينما قال: «لا نحاول أن نكون مثل أحد، بل نسعى إلى أن نتطور بناء على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية، وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا»، وقوله: «لا نقدم مشاريع منسوخة، بل نريد أن نضيف شيئًا جديدًا للعالم، فكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي... تمثل تطورًا وإيجادًا للحلول التي لم يتمكن أحد من إيجادها، لذا فإننا نؤكد مجددًا أننا لا ننسخ المشاريع، بل نحن نحاول أن نكون إبداعيين. إننا نحاول استخدام الأموال التي نملكها في صندوق الاستثمارات العامة، والأموال التي نملكها في ميزانية الحكومة بطريقة إبداعية تعتمد على ثقافتنا وعلى الإبداع السعودي»، هنا خلق سمو الأمير محمد بن سلمان سقفًا مفتوحًا لكل السعوديين، ليوضح مقولته الشهيرة في افتتاح أعمال القمة العالمية للذكاء الصناعي في أكتوبر 2020، حينما قال: «أدعو هنا كل الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي للانضمام لنا في المملكة لنحقق معاً هذا الطموح ونبني نموذجاً رائداً لإطلاق قيمة البيانات والذكاء الصناعي لبناء اقتصادات المعرفة والارتقاء بأجيالنا الحاضرة والقادمة».
ومع كل هذه الإنجازات النوعية والفريدة والمتفردة، ومع كل هذا التسارع في كل شيء، والإتقان في كل عمل، والدقة في كل أداء، ما زال الشغل الشاغل لأمير الحلم السعودي، والسؤال الأهم عنده، ما ذكره في حواره مع المجلة: «كيف يمكننا وضع السعودية على المسار السليم، وليس المسار الخاطئ؟»، وهو ما يقوم به فعلًا في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- أيده الله- ولكنها صفة التفرد التي تعمل وتراجع العمل للتجويد والتجديد للأفضل، وهي إحدى مميزات عمل سمو الأمير محمد بن سلمان- أيده الله- والتي من ظهوره على المشهد السعودي، باتت كلمات مثل الحوكمة والمعايير والمعايرة وغيرها من أكثر الكلمات التي يتم تداولها بين السعوديين الجادين.
وكالمعهود في لقاءات سموه- أيده الله- يأتي الحوار خليطًا من الثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد والدين، وعلى الرغم من كثرة هذه التفرعات وتعقيداتها المعرفية فإن حديثه يأتي متقنًا وموزونًا وفي عين الهدف، حتى أنك تعجز عن اكتشاف تخصص الأمير الدراسي، أو اهتمامه الثقافي، وهنا تتجلى عظمة القائد الذي يريد أن يصنع تغييرًا حقيقيًا، وليس مجرد فلاشات إعلامية، والواقع شاهد كبير لأمير الحلم السعودي، فما تحقق في ست سنوات لا يمكن أن يصدقه عقل في عملية التحول من مناطق ومستويات ما تحت الصفر إلى مراكز متقدمة على المستوى الإقليمي والعالمي، في جودة الحياة، والحوكمة، والشفافية، ومكافحة الفساد، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وتسارع النمو الاقتصادي، وارتفاع مؤشرات الأمان الاستثماري، وغير ذلك.
وتتجلى حكمة سمو الأمير، حينما يشرح الفلسفة التنفيذية لبعض قرارات الدولة الصعبة، وبكل شفافية يقول: «أعتقد أن ما قمنا به في السعودية يمثل الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق ما أردنا تحقيقه، وكما تعلم، في بعض الأحيان يتعين على المرء أن يضغط في بعض المجالات التي سيكون لبعض القرارات الصعبة فيها تأثيرات جانبية، ولقد اتخذنا أقل القرارات ضررًا، وينبغي عليك اتخاذ هذه القرارات لصالح الدولة».
أخيرًا، أكرر أنه يجب على الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، وغيرهم، نفض الكسل، والتحرك للدفاع عن الوطن وعن الشعب السعودي وقيادته، وعن رؤية الوطن 2030، واتخاذ أحاديث سموه خطة عمل وخارطة طريق للتحرك في هذا الصدد، كل مشروعات الوطن بحاجة إلى تسويق، وتوضيح، ونشر لأثرها ونفعها، وإن لم تقم النخب بهذا الدور، فلن يختلف النخبوي الصامت عن الشيطان الأخرس، الذي ينتظر الفرصة لنهش قلب الوطن.