في 2014، نشر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون مارشايمر John Mearsheimer مقالاً في «نيويورك تايمز»، New York Times يُحذر إدارة أوباما، آنذاك، من عاقبة تدخلها في الانتخابات الأوكرانية وجهودها الدبلوماسية لضم أوكرانيا لحلف الناتو. فكما يذكر مارشايمر، أنه رغم أن روسيا غضت النظر عن انضمام بولندا ودول البلطيق– إستونيا، لاتفيا، ولتوانيا– فإنها لم تسكت عندما أعلن حلف الناتو أن أوكرانيا وجورجيا سوف ينضمان إلى الحلف في 2008، بسبب موقعهما القريب لحدود روسيا وأهميتهما التاريخية والثقافية لروسيا.

في ضوء ذلك، يجادل مارشايمر أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحافظ على دبلوماسية جيدة مع روسيا. ولتحقيق ذلك، عليها تأكيد أن أوكرانيا وجورجيا لن تنضما إلى حلف الناتو، وألا تتدخل في الانتخابات الأوكرانية، وألا تتعاطف مع الحكومة المعادية لروسيا في العاصمة كييف، بحيث تكون أوكرانيا منطقة محايدة بين الشرق والغرب.

فعلى ما يبدو أن الدافع الأساسي لغزو روسيا لأوكرانيا هو قلقها من انضمام الأخيرة لحلف الناتو، فوفقا لما جاء في الـBBC NEWS، في مقال لبول كربي، فإن وزير خارجية روسيا سيرجي ريبكوف، صرح سابقا بأنه واجب على روسيا بألا تسمح بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو.


وفي تصريح سابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذكر أن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو سيشجع الحلفاء بالسيطرة على جزيرة القرم/‏‏المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا. وكما يذكر كربي فإن روسيا ليست مركزة فقط على أوكرانيا، ولكن تطالب بأن يعود حلف الناتو بحدوده إلى ما قبل عام 1997، وذلك يعني أن يسحب الحلف قواته العسكرية من دول أوروبا الوسطى، والشرقية، وكذلك دول البلطيق.

ما يثير التساؤل هنا هو: كيف لدولة عضو في مجلس الأمن الدولي، ولها حق الفيتو، كروسيا، أن تقوم بعمل يُعد مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي؟ يمكن الإجابة على هذا التساؤل باختصار من خلال نقطتين تفسيريتين.

أولا، يمكن تفسير سلوك روسيا العدواني ضد أوكرانيا من خلال النظرية الواقعية – أو ما يسمى نظرية القوة– في العلاقات الدولية، حيث إن كثيرا من الواقعيين يؤكدون أن الدول العظمى تبحث عن مصالحها الوطنية من خلال تطبيق القانون الدولي؛ لذا، فإن تلك الدول لن تلتزم بقواعده وأحكامه، إلا إذا كانت هناك فائدة تجنيها من ذلك. لذا تجدهم يجادلون بأن العالم يجب أن يتم فهمه كما «هو عليه» وليس كما «ينبغي أن يكون».

ثانيا، يمكن تفسير سلوك روسيا من خلال منظور «النسق العقائدي لصانع القرار». في مقاله المنشور بمجلة «آراء حول الخليج» في العدد 171(مارس 2022 بعنوان، «غزو بوتين لأوكرانيا بين النظريات وحديثه عشية الاجتياح»، كتب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى (سابقاً)، صالح بن محمد الخثلان، أن سلوك روسيا ضد أوكرانيا يمكن تفسيره من خلال منظور النسق العقائدي لبوتين، إذ يقصد بذلك المعتقدات التي يؤمن بها الرئيس الروسي فيما يتعلق بـــ«طبيعة السياسة والصراعات السياسية والأحداث التاريخية ودور الفرد في صناعتها، والتي تصبح بمثابة المنظار الذي ينظر من خلاله إلى العالم من حوله ويفسر به الأحداث»، فكما يذكر الخثلان أنه يمكن فهم ذلك من خلال تطبيق دراسة النسق العقائدي لخصائص الزعماء السوفييت، التي أجريت في الخمسينيات، على النسق العقائدي لبوتين. إذ إنه رغم كراهية بوتين- كما يذكر الخثلان- الشديدة للشيوعيين فإنه يحمل خصائص مشابهة لهم، تتمثل في:

«(أ) أن الغرب يحمل عداء تاما لروسيا ويسعى لتدميرها.

(ب) حتمية الصراع بين روسيا والغرب.

(ج) التفاؤل بأن النصر سيكون حليف روسيا كما اعتقد الشيوعيون بحتمية الانتصار على الرأسماليين في معركة الصراع الطبقي. (د) كما اعتقد الزعماء السوفييت بقدرة الطبقة من خلال الحزب على التأثير في مسار التاريخ، فإن بوتين من خلال سلوكه يعتقد بقدرة الزعيم أيضاً على توجيه مسار الأحداث الكبرى لصالح روسيا».

إذا سلمنا بذلك وقلنا، إن روسيا تقوم بذلك لتحقيق المصلحة الوطنية، هل العقوبات التي فرضت على مؤسساتها المالية وحظر طائراتها من التحليق في المجال الجوي للدول الأوروبية، واستبعاد البنوك الروسية من نظام سويفت للمدفوعات المالية، يحقق مصلحة وطنية؟