التفكير في إقامة مشروع ثقافي مؤسسي يمر عبر دهاليز كثيرة، تطول ولا تنتهي حتى تغفو الفكرة ثم لا تلبث أن تنام، خاصة إذا تعلق الأمر بالدعم المادي والرعاية الإعلانية وما إلى ذلك من أمور تبرز وتتكاثر بمجرد مرور المشروع من مكتب إلى آخر.

غير أن مشروع "عربي 21" أحد مشروعات مؤسسة الفكر العربي الرائدة والمعني باللغة العربية وتعليم مهاراتها للأطفال والناشئة استطاع ردم كل الفجوات التي تعترض طريق التنفيذ، وبدأ فعليا في تصميم البرامج الموجهة التي كان أحدها في 17 من مايو الحالي وسعدت بحضوره والمشاركة فيه ليومين اطلعنا خلالهما على أسس ومعايير تصنيف كتب الأطفال بحسب عدد من المستويات التي تخضع إلى الفئة العمرية ومن ثم المرحلة الدراسية، بحيث يكون تصنيف القصة خاضعا لتلك المعايير، فتوجه الاتجاه الصحيح للطفل المقصود فلا يجد صعوبة في قراءتها والتماهي مع تفاصيلها، وتمثيل شخوصها ثم الوصول الهادئ السلس إلى رسالة القصة ومضمونها المكنون.

هذا المشروع وعبر ورش العمل وحلقات النقاش المفتوحة التي شارك فيها عدد من المتخصصين والخبراء من دول عربية عدة أظهر لنا مدى حاجة أطفالنا إلى قصص تناسب مدركاتهم العقلية ومقدرتهم على تصور مفاهيم ومعطيات النص المقدم لهم، إذا علمنا أن طفل ما قبل المدرسة ومنذ شهوره الستة الأولى يبدأ في قراءة الصور والملامح وتفسيرها وأرشفتها حتى يستخدمها حال نمو قدرته اللغوية واللفظية التعبيرية.

على هامش المشروع كانت لنا زيارة إلى مكتبة "السبيل" إحدى المكتبات المجتمعية العريقة في حي "مونو" التي نشأت على أكتاف نخبة مميزة من المهتمين وبجهود شخصية تحت مظلة بلدية بيروت وما يقدمه الأهالي من دعم مادي، شاهدنا كيف يمكن للمرء أن يحقق هدفه مهما كانت المعوقات، حيث يشرف عليها مجموعة من الخبراء المتطوعين الذي شكلوا أسرة واحدة متناغمة تسعى إلى نشر عادة القراءة بين الأطفال عن طريق مناشط متنوعة وجذابة لعل أبرزها ما أسموه بـ"ساعة القصة" تقوم فيها إحدى منسوبات المكتبة بقراءة القصة للأطفال وشرح معطياتها في جو حميمي ومكان جميل على بساطته.

المكتبة الآن تتوزع على خمسة وعشرين فرعا إضافة إلى شاحنتين أعدتا لتكونا مكتبتين متنقلتين في أحياء وشوارع بيروت، يرتادها الأطفال فيجدون من يرشدهم إلى ما يناسبهم من قصص أو كتب.

هذا مثال يمكن أن تقتديه مكتباتنا العامة من أجل حراك ثقافي لطفل تسمرت عيناه على شاشتي التلفاز والجوال فتراجعت لغته وتدهورت مفرداته.