والتقت «الوطن» بعدد من هذا الجيل، الذين استذكروا أجمل المواقف والذكريات من خلال سرد البعض منهم قصصا عاشوها وعاصروها في الزمن الجميل، وماذا كانوا يحملون في جعبتهم عند ذهابهم للمدرسة التي كانت على أرض ترابية يفترشون عليها «الحنابل» المتهالكة، وشيء من الأشجار تقيهم حرارة الشمس قبل انتقالهم إلى مبان طينية بدائية لا يتوفر بها أبسط احتياجات الطلاب من طاولات وكراسي، والتي جاءت بعد سنين عدة مع بداية النهضة والنمو الاقتصادي.
قرص جمري
وتحدث أحمد جارالله الزعبري فقال كيف سيكون حال الجيل الحالي لو عاش ماعشناه من ضنك العيش والصعوبات وقسوة الحياة، والتي من خلالها صنعت رجالا أقوياء تغلبوا على الظروف والمصاعب، حيث كنا نتلقى تعليمنا تحت ظلال الأشجار نفترش الرمال والحصى وحشائش الأشجار، قبل أن ننتقل لمدرسة طينية تم استئجارها، وأطلق عليها مدرسة علي بن أبي طالب، كان أولياء أمورنا لا يفقهون شيئا من التعليم لا قراءة ولا كتابة، ولم يكن معنا من يعيننا في المذاكرة سوى أنفسنا، كانت فسحتنا إن توفر قرص خبز جمري أتقاسمه أنا وأشقائي، لكل واحد قطعة صغيرة، وقد أتقاسمه مع أحد زملائي فلا أحظى إلا بالقليل، هذا إن وجد شيء من التمر نضعه في جيوبنا المتهالكة.
نصف ريال
ويضيف مهدي خضير: الفسحة المدرسية في بداية دراستنا لم تكن موجودة، وكان الطلبة كل يحضر فسحته من بيته حسب ميسوره، وأنا شخصيا كان والدي رحمة الله عليه موظفا حكوميا، وكانت فسحتي يوميا نصف ريال، نشتري منه صحن فول مع تميس وبراد شاي من قهوة بجانب المدرسة، وكان فطورا ممتازا ويكفي لي ولعدد من زملائي، فنحن صغار سن، وله طعم مميز جدا، وفي ذلك الوقت من يملك نصف ريال يرى نفسه الشخص المهم الذي يتودد عنده الجميع، فما بالك بمن يملك أربعة قروش أو ريال، وبعدها الدولة قدمت برنامج الإعاشة المدرسية لجميع طلاب التعليم العام، مواطنين ووافدين بالمجان، وكانت عبارة عن ساندويتشات وكأس من الحليب، يقدمها المتعهد، ثم أتت العلب المغلفة والتي تحتوي البسكويت وعلبة حليب أو عصير مع قطعة حلوى أو تمر أو فول سوداني، واستمرت لفترة ليست بالقصيرة.
طبقة واحدة
يقول علي مهدي الكستبان أحد طلاب الثمانينات الهجرية: كانت الأمور في ذلك الوقت مستورة كما يقال بالعامية، فالجميع في ذلك الوقت طبقة واحدة والسكن واحد، هناك من يسكن الزريبة ومن يسكن بيت الطين، أحوالهم وأوضاعهم متساوية، الفقير والغني كانت الأمور والأحوال غير متباعدة.
أما عن فسحتهم الدراسية فقبل ذهابنا للمدرسة إذا كانت الظروف المعيشية وقتها تسمح وكان يتوفر شيء من الحبوب والقمح، كان الطالب يذهب ومعه إما قليل من التمر أو قليل من الدوم، وهو ثمرة شجرة السدر، أو قطعة خبز تعده الأمهات في المنزل، إما من خبز الذرة أو البر، أو قليل من اللبن.
قدر الحليب
وأضاف علي الكستبان: مع مرور السنوات وبالتحديد في عهد الملك فيصل رحمه الله في بداية التسعينات الهجرية كان يقدم لنا كوب من الحليب، وقطعة خبز بداخلها قليل من الزبدة، حيث كان حارس المدرسة يأخذ معه أربعة من الطلاب الكبار من حيث البنية الجسمانية يساعدونه في سكب الحليب البودرة مع السكر والماء، ويتم خلطه بعصا كبيرة ويقومون بتحريكه لمدة 20 دقيقة تقريبا، ومن بعدها يتجمع الطلاب في صف وطابور واحد، ويكون كل طالب معه كوبه الخاص أو علبة أحضرها من منزله، فيسكب له من الحليب ويعطى معها قطعة خبز قد مسح بداخلها قليل من الزبدة، وكانت في ذلك الوقت من ألذ المأكولات، وكنا نترقب الفسحة على أحر من الجمر، وهذا ما كان يقدم لنا وقتها.
وجبة غذائية
ويواصل الكستبان حديثه فيقول وتطورت الأحوال شيئا فشيئا قبل وفاة الملك فيصل رحمه الله، واستمرت حتى عهد الملك خالد رحمه الله، وكانت نقلة كبيرة ولن ينساها الجميع، عندما تم تخصيص فسحة خاصة لكل طالب عبارة عن علبة بداخلها البسكويت والعصير والتمر والحليب واللوز والسمسم، كل يوم يختلف عن اليوم الآخر عبارة عن وجبة غذائية متكاملة وصحية، ولكنها اختفت بعد سنتين أو ثلاث من إقرارها. أما في وقتنا الحاضر ومع نمو الاقتصاد وتحسن الأحوال ورغد العيش الذي نعيشه ولله الحمد فأصبح الطفل الصغير يأخذ ويشتري ما يحلو له حتى من هم في الروضة، وكم هو الفارق بين وقتنا ووقتهم.
45 عاما
وقال نايف عبدالله الحربي أحد الطلاب في ذلك الحين بمدرسة الذيبية الابتدائية بمنطقة القصيم، في تلك القرية الصغيرة القابعة غرب القصيم: على الرغم من مرور 45 عاما على توقف برنامج التغذية في المدارس إلا أنها لا تزال عالقة في الأذهان وأضاف أن جيل الثمانينات والتسعينات يذكرون تلك الأيام الجميلة والأصناف من الإفطار المتنوع، وبين الحربي أنه لا تزال تلك الوجبات عالقة في ذهنه، وكذلك من عاصروها، ويختزنون في ذاكرتهم أصناف الطعام في المدارس في ذلك الحين، وأضاف الحربي الوجبة مع مرور الزمن تكونت من حليب معقم، وعصير برتقال، وأجبان سويسرية أو فرنسية، وعيش، أو حلة اللحم البقري، وحلة الدجاج «الرافيولي» مع صلصة الطماطم، فضلاً عن السلطة المكسيكية وحلاوة شوكولاه والكيك والفول السوداني.