يرجح المستشرقون أن لفظ «تهامة» مشتق من الكلمة البابلية «تيامتو»، ومعناها «بحر».

ويتوسع بعضهم في البحث عن مدلول الكلمة البابلية «تيامتو»، فيربط مدلولها باللفظ العبري «تهوم»، الدال على البلاد المشرفة على البحر، ويرجح أن كلمة «تهـوم» العبرية مشتقة من اللفظ البابلي «تيامتو» الذي يعني البحر.

ويرجح المحققون أن اللفظ العربي «تهامة» هو مثل اللفظ العبري «تهوم»، فكلاهما مشتق مـن أصـل واحـد، وهـو البابلي «تيامتو»، وأن كلا من اللفظين العربي والعبري معناه «البلاد المشرفة على البحر»، وأن مـن مـعـاني اللفظ البابلي «تيامـتو» المحيط أو البحـر المالح، وأن لهذا المعنى صلة باللفظ العبري، ومعناه يغير ريح الشـيء. وأن مـثـل هـذه الصلة توجد بين اللفظ العبري «تهوم» وبين اللفظ العربي «تهامة»، حيث إنهما يدلان على تغيير ريح الشيء، فالتهم معناه شدة الحر وركود الريح، ومن المعروف أن جو تهامة شديد الحر راكد الريح، ويقال هذا القسم «تهامة لتغير هوائه، فتهم الدهن إذا تغير ريحه». ويقولون إنه لم يغب عن فطنة «ابن خرداذبة» ما كان بين شاطئ البحر الأحمر من مشابهة، ولذلك شمل كلامه تهامة: الحبشة (ساحل أريترية).


على كل، اللفظان العربي والـعـبـري مشـتقـان مـن الأصـل الـعـربي القديم، فلغـة بـابـل فـرع مـن أم اللغـات السامية، ووطن أم اللغات السامية، جزيرة العرب مهد الساميين.

وفي لسان العرب: «تهامة اسم «مكة»، ومنطقة تهامة هـي الأرض التي تقع ما بين «ذات عـرق» إلى مـرحلتين مـن وراء «مكـة»، وما وراء ذلك من المغرب فهو غور.

والمدينة لا تهامية ولا نجدية، فإنهـا فـوق الـغـور ودون نجـد، و«تبالة» مـن تهامة».

وكثير من الجغرافيين والمؤرخين يختصرون كلامهم على تهامة التي ما بين جدة و«عدن».

وفي كثير من المناسبات يأتي ذكـر «تهامة» في «معجم ياقـوت»،وفي كثير مـن أقـوال القدامى التي ينقلها «ياقوت» مـا يشـوش علـى الباحث في جغرافية تهامة، ففـي كـلام «الإصطخري» و«ابن حوقل» أن تهامة تمتد متوغلة في الجبال، وذلك في الوقت الذي يقول عنها الكثيرون إنها الأرض المنبسطة بين البحر والسراة.

ولقد مر قولهم: من «ذات عرق» تبدأ تهامة، والواقع يؤكد أن «الحجاز - السراة» يفصل بين «تهامة» و«نجد».

ولقد غالى بعضهم، فقال: «..والحجاز ما حجز بين تهامة والعروض»، فبين الحجاز والعروض نجد، فنجد يحد الحجاز شرقا، ويحد العروض غربا. ونحـن إذا أردنا الرجوع إلى «معجم ياقوت»، فلا بد لنا من أن نختار من الأقوال التي جمعها «ياقوت» عندما تكلم عن جزيرة العرب وأقسامها ما يكفينا لمعرفة الصورة التي رسمها الأقدمون لمنطقة تهامة.

ونحن عندما نبين اسم المؤلفات، التي هي مصادر البحث جزءا وصحيفة، نقصد إيضاح الطريق، ليعود إليها الذين يريدون المزيد، والذين لهم وجهة نظر تختلف مع ما ذهب إليه البحث.

فممـا جـاء في «معجـم يـاقـوت» مـن الأقـوال الـتي نحتاج إلى عرضها ونقاشها والاستضاءة بهـا قـول «الشـرقـي بـن القطامـي»: تهامـة إلى «عـرق الـيـمـن» إلى «أسياف البحر» إلى «الجحفة» و«ذات عرق»!!، فهل يقصـد «ابـن القطامـي» بـ«عـرق اليمن» الجنوب، وبـ«أسياف البحر» الغرب، وبـ«الجحفة» و«ذات عرق» الشرق.

إذا كان الأمر كذلك، فإلى أين تصل تهامة شمالا؟!، ثم أية «ذات عرق» يقصد «ابن القطامي»؟.

لقد سبقت الإشارة إلى أن المقصود بنجد في قولهم: «أهـل «ذات عرق» ليسوا بنجديين ولا بتهاميين»، فالحجاز يفصـل بـين نجـد وتهامة مثلما يفصـل نـجـد بين الحجـاز والعـروض.

يقـول «المدائني»: «تهامة من اليمن، وهـو مـا أصحر منها إلى حد في باديتها، ومكة من تهامة، وإذا جاوزت «وجـرة» و«غمرة» و«الطائف» إلى مكة فقد أتهمت، وإذا أتيت المدينة فقد جلست»،

فالجلس هو الحجاز كما سبق.

والذي يبدو من قول «المدائني» أن تهامة التي يعنيها هي تهامة جنوبي الحجاز.

وفي كتاب «المسالك والممالك»، يقول «الإصطخري»:

«..وأما تهامة، فإنها قطعة من اليمن، وهـي جبال مشتبكة أولهـا مشـرف عـلـى بـحـر القلـزم، مـمـا يلـي غـربيها وشرقيها بناحية «صعدة» و«جرش» و«نجران»، وشماليها حدود مكة، وجنوبيها من صنعاء على نحـو مـن عشـر مـراحل».

والغريب في كلام «الإصطخري» قوله: «..وشماليها حدود مكة»، فتهامة كما سيأتي تمتد إلى خليج العقبة،والذي يغلب على الظـن أنـه يقصـد تهامة اليمن.

فهكذا نرى بعض أقوال القدامى تحصر تهامة في حدود ضيقة، لا تسع جميع الأراضـي الـتي تمتد على ساحل سلسلة جبال «الحجاز - السراة»، تلك الأرض التي اعتبرها الجغرافيون العرب قسما من أقسام الجزيرة العربية، فهـم كـمـا رأيت يقـفـون بحدودها الشمالية عند مكة، مع أن مكـة مـن تهامة.

ولعل المقصود في الأقـوال الـتي تجعـل حـد تهامـة الشمالي مكة، هو تهامة اليمن، فأكثـر القدامـي يقصـدون بتهامة السواحل الممتدة مـن جـنـوبي «جدة» إلى «عدن» مع أن «تهامة» قسـم مـن أقسام الجزيرة العربية، تفصله عن نجد جبال السراة من أطراف الشام إلى أقصى اليمن.

1965*

* مؤرخ وكاتب صحافي سعودي «1911 - 1984»