تعانق هذه الذكرى الصفحات الأولى من لحظات المجد والفخر وانطلاق مسيرة الكفاح، وبداية كتابة التاريخ لنشأة الدولة السعودية الأولى وامتداد مملكتنا الغالية..

فجر جديد، ونور محمل بالآمال انبثق وسطع في أيام التاريخ المظلمة بعد فترة طويلة سادت تلك الحقبة التي كانت مقسمة إلى مشيخات وإمارات، لا رابطة بينها، ولا تعاون ولا تآزر، الجار يفتك بجاره، والأخ يقتل أخاه، والأموال منهوبة، والأمن مفقود، والفوضى عارمة، والبدع متفشية، والخرافات منتشرة، فكأن عهد الجاهلية قد بعث وتجدد، وكأن الناس قد عادوا يتسكعون في دياجيرها، ويخوضون في غمارها، حتى أتت هذه النهضة المباركة، محملة بآمال الحياة بعد اليأس، ومنحتهم أمنا شاملًا، واستقرارا كاملًا، ومجتمعا متضامنا، ودولة قوية، رفعت شأنهم، وعززت مكانتهم.. ما كانت لتبلغه لولاها.

وأصبح ذلك هو الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية وهي أول دولة عربية بمعناها الحقيقي تظهر على المشهد في تلك الفترة العصيبة وعاصمتها الدرعية من قلب الجزيرة العربية.


وتمكن أئمة الدولة السعودية الأولى من توحيد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية ونقلها إلى عهد جديد اتسم بالاستقرار وانتشار الأمن، وتطبيق الشريعة الإسلامية في نواحي الحياة كافة، ونتيجة لقيام الدولة السعودية الأولى ظهر الكثير من العلماء، وازدهرت المعارف والنواحي العلمية والاقتصادية، وأنشئ العديد من المؤسسات والنظم الإدارية.

إن يوم التأسيس يعكس حرص خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ـ أيدهما الله ـ في استحضار صفحات هذا التاريخ المضيء، ويؤكد أن لبلادنا تاريخا قديما وعريقا، متجذرا في أعماق الزمن، حافلا بالبطولات الإنسانية، والإنجازات الحضارية، التي أثمرت عن وطن شامخ مزدهر، يرتكز على مبادئ قويمة وراسخة، وأحداث ووقائع شكلت ملحمة بطولية، سطرها أئمة وملوك هذه البلاد الطاهرة، بداية من الدولة السعودية الأولى، مرورا بالدولة السعودية الثانية، وصولا إلى المملكة العربية السعودية، ليأتي يوم التأسيس كذكرى وطنية سنوية يرسخ في الأذهان، مفاخر عظيمة وإنجازات تاريخية، نستلهم منها الدروس والعبر، ونستفيد منها في قادم مستقبلنا.

يقول الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن: عن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ طيب الله ثراه:

(أنا معزي) صفوة أولاد وايل

نسل الرجال اللي كثيفٍ فخرها

لا من شهر يصبح هداده هوايل

ولا من عفا داوى العظام وجبرها

ويوم التأسيس هو إبراز للهوية الوطنية لأبناء المملكة العربية السعودية، بربطهم معرفيًا ووجدانيًا باللبنة الأولى لعمقنا التاريخي والحضاري؛ الذي نرى ثمار تأثيره اليوم بحمد الله وتوفيقه في العهد الزاهر، عبر تواصل البناء والتنمية والتخطيط للمستقبل على أساس راسخ ووفق نظرة ثاقبة وأهداف ترتكز على رؤيتنا المباركة. يقول الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد: عن الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ أيده الله:

مثيلُ أبيه أشباهًا وفعلًا

عصي الوصف سلمان الشهامة

لهُ من كلِّ مكرمةٍ عُلاها

له المجدُ التليدُ له الزعامة

هنيئًا للوطن بيوم التأسيس، وهنيئًا لنا بوطن الأمجاد.. حفظه الله هذا الوطن وأدام عليه وعلى قيادته الرخاء والاستقرار والازدهار.