بقي لبنان يعيش مشاكل غيره، هكذا يقول الصوت العاقل في لبنان غسان تويني. لبنان يعاني الأمرّين من تدخلين اثنين؛ دخول رموز الحرب الأهلية في إدارة شؤون لبنان وتسيّدهم للطوائف الممثلة بالمحاصصة في الحكومة، والاحتلال الثاني النفوذ السوري والتحكم التام بمعظم الرموز اللبنانية.

هناك احتلالان اثنان يعاني منهما لبنان. والمشكلة في لبنان - ربما - أن الحرب الأهلية التي حدثت وذاق كل لبنانيّ مرارتها لم تنتج نظاماً مختلفاً. الذي يجري في لبنان هدنة طويلة. طبول الحرب الأهلية تدق مع أصغر حدث. التهدئة هي السائدة، والذي يجري في لبنان هدنة مطولة لم تفد أي لبنانيّ شيئاً. حسنة اتفاق الطائف أنه أوقف الحرب. يدرك نبيه بري أن من بين بنود اتفاق الطائف الإلغاء التدريجي للنظام الطائفي، وهو يدعو دائماً إلى إلغاء النظام الطائفي ويشترك مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لكنها دعوات غير مقصودة، لأن إلغاء النظام الطائفي يعني غياب هذه الوجود واستبدالها بمعايير مدنية.

النظام الطائفي اللبناني يخدم الزعيم أولاً لأنه يشرّع له القبض على طائفته والتحكم بها. يذكر علي حرب في كتابه "ثورات القوة الناعمة في العالم العربي" أن جدته كانت تحدثه عن مميزات الطائفة التي تؤمّن للإنسان اللبناني قوته، هذا فضلاً عن التسهيلات من قبولٍ في الجامعة إلى ابتعاث... إلخ، كل أزمة يمكن للزعيم أن يحلها، وهكذا تكون الطائفة هي الملجأ والملاذ. تغيير النظام الطائفي يتطلب تغييراً للثقافة، لأجيالٍ نشأت على تقديس هذا الزعيم أو ذاك، هذا ما ينصر لبنان وينجيه. لأن الديموقراطية التي تجري به ديموقراطية ضارة وتحرس الاستبداد. الذي يجري في لبنان حالياً هو تصدير للخراب الذي يشعر به النظام السوري. يريد أن "يصدّر" الخراب.

من البداية كان النظام السوري يريد للثورة السورية أن تكون طائفية، لأنه يعلم أن المنطقة المحيطة بها كلها ستشتعل إن هو لعب على هذا الوتر. المسؤولية على اللبنانيين كبيرة أن يعلموا مستوى التهشم الذي يعاني منه النظام السوري، لن يريد لبلدٍ أن ينعم بالعيش وهو يشعر أن كرسيه سينهار وأن أسطورته وعروشه ستأكلها الثورة التي تريد أن تنتصر لإنسانية الفرد السوري.

قال أبو عبدالله غفر الله له: نظام لبنان الطائفي إن بقي فسيكون بمقدور أي أحد أن يعبث بنسيجه من خلال التجييش الطائفي، وحتى لا يكون لبنان مجرد تاريخٍ مضى بلا حاضرٍ جذاب لا بد أن تدخل الديموقراطية عهد المدنية، بلا طائفية، ومن دون أي انحيازٍ للطائفة على حساب الإنسان.