ليس خفياً على الجميع أن قضية التغيّر المناخي أصبحت تدار بطريقة سياسية لتحقيق غايات محددة، هدفها إقصاء مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز من المشهد الاقتصادي العالمي كونها أصبحت تحدد استقطابات جديدة للقوى عالمياً لمصلحة دول خارج الولايات المتحدة وأوروبا. إن السياسة التي تمارسها مجموعة «أوبك+» والهند والصين بشأن مشكلة التغير المناخي والاستثمار في تحول الطاقة، هي الطريقة الأكثر علمية بعيداً عن الضغط الإعلامي لتجريم النفط وغازه المصاحب.

حالياً يعاود العالم الركض للحياة من جديد بعد تجاوزه شبه الرسمي جائحة كورونا في حين تواجه أوروبا تحديداً أزمة سياسية خانقة طرفاها روسيا مقابل أوكرانيا والناتو، وهو ما أدى فعلاً إلى مضاعفة أسعار مصادر الطاقة التقليدية مع تهديد أوروبا بانقطاعات الغاز الروسي في حال نشبت حرب في دول البلطيق. ستجد الولايات المتحدة فرصتها في تعويض هذا النقص من خلال تزويد أوروبا بالغاز اللازم، كيف لا وأمريكا تستعد لريادة العالم في إنتاج الغاز الطبيعي. وبلا شك ستكون أوروبا سوقاً كبيراً لأمريكا على المدى الطويل ما دام هناك صراع روسي- أوروبي. وعلى الجانب الآخر من العالم تعود الصين لتجديد اتفاقياتها مع روسيا حول خطوط الغاز لفترات طويلة المدى وتعيد بناء بعض خطوط الأنابيب التي تشق الجبال في شمال غربي الصين مقبلة من روسيا. حالياً تتذبذب الأسعار حول متوسط 90 دولاراً للبرميل مقابل 4.2 دولارات للغاز الطبيعي لكل مليون وحدة حرارية. وهي أسعار ضعف ما كانت عليه خلال الثماني سنوات الماضية، وتحديداً منذ 2014 وهو ما يعني بوضوح أن العالم لم يصل للاكتفاء من الوقود التقليدي ولا يلوح ذلك في الأفق أيضاً.

أمامنا الآن خمسة معطيات أساسية ستسهم في تحديد أسعار النفط والغاز خلال هذا العقد على الأقل، وهي الصراع الجيو-سياسي بين روسيا وأوروبا، وزيادة نسبة البشر الذين يعانون من الفقر المدقع في العالم حيث يبلغون اليوم 700 مليون نسمة يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وأيضاً نسبة نمو السكان في العالم تحديداً في كل من الهند والصين حيث سيقفز خلال 13 سنة سكان العالم من 7.2 مليارات نسمة إلى 9 مليارات نسمة، وهو ما يعني زيادة الحاجة إلى النمو والاستهلاك، ثم تطور تقنيات الطاقة المتجددة وتقنيات احتجاز الكربون وتدويره، وأخيراً مبادرة خارطة الحزام والطريق الصينية التي تعد بانتعاش منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا.


على المدى القريب، لا أحد يتكهن إلى أي مدى يمكن للصراع الروسي الأوروبي أن يصل كما أنه في حالة نشوب حرب عسكرية فلن يزول أثرها خلال عشر سنوات على الأقل. طبعاً نحن نتمنى أن ينتهي الصراع بطريقة دبلوماسية فأوروبا لن تنجر بسهولة لأتون حرب تعيدها إلى الوراء سنين طويلة. كما أن حقيقتي زيادة سكان العالم ومعدلات الفقر مرتبطان في ظل الظروف الحالية. ويبقى الأمل معقوداً على تطوير تقنيات بدائل الطاقة وهو ما تمضي فيه السعودية تحديداً خطوات جادة وصارمة تحاكيها في ذلك بريطانيا للاستفادة من تجربة السعوديين في تقنيات حجز الكربون واستخدامه.

لقد نجحت «أرامكو» السعودية وشركة «سابك» قبل أيام في إنتاج الميثانول الدائري كأول منتج كيميائي دائري في الشرق الأوسط، وفي الحقيقة أنا لا أعلم أي دولة في العالم تنتج الميثانول الدائري غير السعودية حتى الآن. ما يهمنا أن السعودية طوّرت تقنيات لاحتجاز الكربون وإعادة استخدامه في منتجات كيميائية تستخدم أيضاً لإنتاج مواد بديلة للمعادن مثل البولي اسيتال والبولي ميثايل ميثاكريليت وهي بوليمرات هندسية يمكن إعادة تدويرها أيضاً، وبهذا تطبق السعودية منهجها الذي أعلنت عنه قبل 14 شهراً أثناء رئاستها مجموعة دول العشرين في الرياض من خلال إطلاق مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون. سوف أتحدث لاحقاً عن نظرة صناع الطاقة في السعودية عن ذلك، ولكن ما يهمنا الآن هو أن نفهم أن تدوير الكربون لم يعد حلماً بل أصبح واقعاً ويجب على القطاع الخاص أن يبدأ منذ الآن تجهيز عملياته الصناعية والإنتاجية لحجز كل الكربونات وإعادة منتجتها فالمملكة تقود الآن تطوير كل بدائل الطاقة، في حين أتوقع أن تصدر خلال الفترة المقبلة تشريعات تلزم أصحاب المشاريع حتى الإنشائية منها باحتجاز الكربون وبيعه أو منتجته. وسوف أتناول في مقالي المقبل أهمية أن تتحول اقتصادات السوق السعودي إلى دائرية الكربون أكثر من أي وقت مضى. وهو بلا شك إن حدث سيجعل من السعودية رائدة في الطاقة النظيفة والحياد الكربوني وسيجعل العالم يشير إلينا بالبنان، كوننا الدولة الرائدة في نظافة الطاقة. لا أعتقد أن هذا حلم بقدر ما هو ممكن الحدوث مع وجود التشريعات وعزيمة شعب طويق.