لقد استطاع النضال الفلسطيني أن يصمد أكثر من بنيامين نتنياهو الذي ارتبك وتوسل من أجل الوصول إلى اتفاق مع حزب كاديما في 8 مايو. بدلا من أن يواجه الانتخابات المبكرة في سبتمبر، اختار نتنياهو أن يبقى في السلطة لمدة 18 شهرا أخرى، من خلال تشكيل تحالف كبير يضم 94 كرسيا في الكنيست من أصل 120 كرسي. شاؤول موفاز، خصم نتنياهو اللدود، سيكون النائب الأول لرئيس الوزراء وسيتمتع بالكثير من السلطة في الترتيب الجديد. سيحل محل نتنياهو عندما يكون خارج البلاد وسيكون له مقعد في الوزارة الأمنية المصغرة. التحالف غير مستقر، لكن نتنياهو لم يكن لديه الخيار. كان يواجه تمردا يتسع كل يوم من الجيش والجهات الأمنية حول تهديداته بشن حرب أحادية الجانب على إيران وحول اعتقاده الأحمق بأنه يستطيع أن يتغلب على التصميم الفلسطيني على الاستقلال. الانتقاد المؤسساتي لسلوك نتنياهو السخيف قوي في الولايات المتحدة أيضا، حيث بدأت أفضل الدوائر في الجيش والاستخبارات الأميركية تعد إسرائيل عبئا استراتيجيا. علمت من مصادر استخباراتية مطلعة في واشنطن أن موفاز، وليس نتنياهو، سيكون الآن نقطة الاتصال مع الولايات المتحدة حول إيران، وذلك يمكن أن يصبح الوضع بالنسبة للمفاوضات الفلسطينية.
ولكن حان الوقت الآن للحديث عن فلسطين التي لا يكتب أحد عنها هذه الأيام، تاركين أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في ظروف وحشية من الفصل العنصري والاحتلال. أحد الأسباب التي جعلت نتنياهو يدعو إلى انتخابات مبكرة في 7 مايو كان عجزه عن إجبار الفلسطينيين على المشاركة في محادثات سلام بلا معنى.
لذلك في الوقت الذي تنشغل فيه الأطراف الإسرائيلية بالصراع بين بعضها البعض، حتى في الوقت الذي يدعون فيه الوحدة، على القادة الفلسطينيين وصانعي السياسة في العالم أن يلتفتوا إلى انتزاع العدالة من إسرائيل وحل المشكلات القديمة الصعبة: إنهاء المستوطنات اليهودية، إطلاق سراح مئات الفلسطينيين الموقوفين دون تهم في السجون الإسرائيلية، مسح اسم حماس من قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي بشأن حالة المرضى الفلسطينيين الذين يشارفون على الموت بسبب الإضراب عن الطعام، من بين قضايا مهمة أخرى.
سيكون مؤسفا ألا تلاحظ القيادة الفلسطينية أن أزمة الحكومة الإسرائيلية هي فرصة مناسبة. ولكن تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض التي نشرتها وكالة معان للأخبار في 8 مايو تبين أن هذه الفرصة تتعرض للضياع.
فياض يثير قضايا مهمة، مثل الحاجة إلى الانتخابات لتوحيد الفلسطينيين كشرط مسبق رئيس لتحقيق الدولة الفلسطينية. لكنه يجانب الصواب في إلقاء اللوم على الفلسطينيين في عدم تحقيق إقامة الدولة. فياض يشير إلى رئيس السلطة الفلسطينية بسبب استمرار رفضه للعودة إلى طاولة المفاوضات المزدحمة، وإلى حماس بسبب تجميدها للمصالحة، وعلى الفلسطينيين بشكل عام، بسبب فشلهم في تغيير الرأي العام العالمي لصالحهم. فياض محق في إشارته إلى أن السلطة الفلسطينية مشلولة بسبب قلة التمويل. لكنه مخطئ في اعتقاده أن إسرائيل هي التي نجحت في تهميش الموقف الفلسطيني حول المستوطنات والحدود.
القوة الإسرائيلية ليست هي التي سببت تجاهل الآخرين للفلسطينيين. لكن سبب ذلك هو فساد القادة عبر المحيط الأطلسي، تماما كما تجاهل هؤلاء القادة أنفسهم، وعلى رأسهم باراك أوباما، حاجات شعوبهم من أجل إنقاذ البنوك الدولية. انظروا إلى انتخابات 6 مايو في فرنسا واليونان. السياسيون أصحاب البنوك؛ ساركوزي في فرنسا والديمقراطيون الجدد في اليونان، تعرضوا لخسارة بسبب فرض تقشف مستحيل على شعوبهم. الانتخابات الأوربية الأخيرة تعكس دعوة عالمية للعدالة الاقتصادية، وهذا يتطلب قيادة وليس نواحا.
في مقابلة أخرى في 8 مايو، بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة مباشرة، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: "لن أعود إلى المفاوضات دون تجميد نشاطات الاستيطان... المستوطنات تهدم الأمل". الخطوط التي رسمها عباس في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي هي الخطوط الصحيحة. المستوطنات اعتبرت منذ فترة طويلة غير شرعية من قبل محكمة العدل الدولية. إذا لم يحصل اختراق في المحادثات، قال عباس إنه سيدرس العودة إلى الأمم المتحدة للحصول على وضع غير العضو لفلسطين من خلال الجمعية العامة.
المجتمع الدولي يراقب ليرى فيما إذا كان موقف موفاز سيبقى كما كان عليه أثناء وجوده في المعارضة. موفاز قال إن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بعد فجوة 18 شهر هي شرط لقراره بالانضمام إلى الحكومة. كما قال إنه سيقف مع مئات آلاف الفلسطينيين الذين تظاهروا في الشوارع للمطالبة بالعدالة الاقتصادية. مثل هذه الوعود هي التي قذفت بموفاز إلى قيادة حزب كاديما، وجعلته يشكل خطورة كافية لإجبار نتنياهو على الارتباك. ولكن هل سيلتزم موفاز بوعوده؟
موفاز تحدث أمام منتدى السياسة الإسرائيلي في عام 2009 حول فكرته لإطلاق عملية من فرعين، بحيث يتم الاعتراف بدولة فلسطينية غير مسلحة وتكون حماس ضمن الحكومة، وبعد ذلك استمرار المحادثات حول الوضع النهائي لتقرير الحدود. موفاز قال إنه سيخلي غالبية المستوطنات، ويبادل أراضي إسرائيلية مقابل الحفاظ على المستعمرات الرئيسة. هذا غير مقبول لأي فصيل فلسطيني رئيس، لكنه قد يكون أساسا للمباحثات. لكن المشكلة الأكبر هي نتنياهو الذي يعتبر العقبة الحقيقية لمباحثات السلام.