ويذكر المؤرخون أن هذه العلاقات بجوانبها التجارية والاتصالات البشرية كانت مستمرة عبر الموانئ البحرية التي كانت مزدهرة طوال تاريخها الممتد لقرون عبر مينائي «زيلع» و«بربرة» في شمال الصومال، حيث شكلت الموانئ الصومالية وغيرها العمود الفقري للعلاقة بين سكان ساحل البحر الأحمر والسكان المقابلين لهم على الضفة الأخرى في الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده.
وقد تطورت هذه العلاقات بطبيعة الحال بعد ظهور الإسلام، وامتدت في بادئ الأمر إلى بلاد الصومال قبل موجات الانتشار الأخرى للدين الحنيف في البلدان المجاورة للجزيرة العربية، أو إلى بلاد الإسلام المنتشرة في جميع أرجاء المعمورة والتي بلغتها الدعوة أو وصلتها الفتوحات الإسلامية العظيمة.
الهجرات المتبادلة:
على مر العصور والقرون توطدت هذه العلاقات وتطورت بوجود الجسر البحري بين مينائي «زيلع» و«بربرة»، وموانئ المملكة في كل من القنفذة وجيزان وجدة على ساحل البحر الأحمر وبروز ظاهرة الهجرات المتبادلة، والتي لا شك أن الباحثين في تاريخ المنطقة سيوفونها حقها من الدراسة والبحث لأجل فهم أعمق لانسجام النماذج والتقبل الشعبي لتطوير هذه العلاقات من جوانبها الاجتماعية والاقتصادية، وأيضًا من جهة الهجرات التي ساعدت على إقامة مصالح تجارية سمحت بنقل السلع والثقافة بين ضفتي البحر الأحمر لقرون طويلة، كما أن العديد من أبناء الصومال وبحكم الروابط الدينية وأدائهم النشط لفريضة الحج والعمرة أقاموا بالمملكة كعلماء أو طلاب علم، وهذا أدى إلى اندماجهم وانصهارهم في مجتمع المملكة الإسلامي الذي يقوم على التأخي والمساواة تحت الحكم السعودي، وقد أسهم هذا التمازج الأزلي في تسهيل نمو وتطور العلاقات بين الشعبين والانطلاق بها نحو آفاق أرحب في مختلف مراحلها التاريخية، وهذا دليل على ما يربط بيننا من وشائج القربى والمحبة والمصالح المشتركة المتجذرة في أعماق التاريخ.
وفي التاريخ الحديث بدأت العلاقات بين البلدين منذ استقلال الصومال عام 1960م وتوجت بزيارة جلالة الملك/ فيصل بن عبد العزيز عام 1962م إلى الصومال، حيث استهل الملك/ فيصل زيارته الأولى للصومال بلقاء رئيسها الأول وزعيمها التاريخي/ آدم عبدالله عثمان.
من أبرز ثمار هذه الزيارة والقمة التاريخية بين الزعيمين انعقاد المؤتمر الذي بموجبه تأسست رابطة العالم الإسلامي، حيث ألقي الرئيس الصومالي آنذاك/ آدم عبدالله عثمان، كلمة في القمة طالب فيها بعقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية لتدارس شؤون المسلمين، وفي السنة ذاتها انعقد المؤتمر في موسم الحج بمكة المكرمة، ومن جانبه أثنى الملك فيصل في كلمته على دعوة الرئيس الصومالي، وبالتالي كان الصومال إلى جانب السعودية عضوا مؤسسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969م، ثم انضمت الصومال إلى الجامعة العربية عام 1974م، لكن الازدهار الكبير لهذه العلاقة بدأ عام 1977م بعد حرب «أوجادين».
وقد ظل الرئيس الصومالي على صلة عميقة بالمملكة وزارها عدة مرات، في حين أصدرت الصومال عام 1967م طوابع بريدية بمناسبة زيارة الملك الفيصل لها.
وفي ظل الاستقطابات الدولية بين الغرب والشرق وحرص السعودية على أن تكون الصومال في الصف ذاته معها، حيث كانت السعودية تعادي الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي سابقا، وهنا سوف استشهد بجزء من مقابلة أجريت مع سفير المملكة العربية السعودية في مقديشو آنذاك/ طه الدغيثر، نهاية عام 1980م، والتي نشرت في صحيفة المدينة السعودية حيث قال: «لقد كانت الفترة من عام 1977م إلى هذه المرحلة من عمر العلاقات الطويلة بين البلدين زاخرة ومزدهرة بكل المقاييس، وذلك ليس بسبب رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وترقيته لاستيعاب الأماني المشتركة التي برزت وتبلورت في هذه الفترة وحسب، بل أيضاً بسبب قنوات الاتصال المباشرة، والوفود المتبادلة، وازدياد اتصالات التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا المحلية والدولية والإسلامية والعربية».
وخلال السنوات العشرين الماضية لم تدخر المملكة العربية السعودية جهدًا في سبيل نصرة القضية الصومالية وإنهاء الحرب الأهلية، وضخت أموالا طائلة من أجل تحقيق المصالحة بين الأشقاء الصوماليين المتقاتلين، وشاركت بقوة في جميع مؤتمرات المصالحة التي عقدت في كل من جيبوتي، وأديس أبابا، ونيروبي، بل واستضافت في جدة قيادات من الحكومة الصومالية عام 2007م، ووعدت بتقديم ملايين الدولارات لإعادة بناء المؤسسات الوطنية واعمار البلاد، كما طرحت مبادرة للمصالحة بين حكومة الرئيس الراحل/ عبد الله يوسف والمحاكم الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم لا تفتأ المملكة من السعي إلى تحقيق هدفها السامي، وهو أن ترى الصومال دولة قوية موحدة، ولهذا فالمملكة لا تترد في دعوة واستضافة رؤساء الصومال إلى الرياض وجدة لبحث سبل تعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك وتقديم مساعدات إنمائية غير مشروطة للصومال وشعبها.
المساعدات الإنسانية:
ومن الناحية الانسانية لم ولن يمحى من ذاكرة الصوماليين دور المملكة وأشقائها الخليجيين في الجهود الدولية لمساعدة المنكوبين جراء المجاعات التي ضربت الصومال أعوام 1992ـ 2011ـ2016م، حيث مد السعوديون في مواسم الجفاف هذه جسورا إغاثية إلى الصومال برا وبحرا وجوا، وأرسلوا كميات كبيرة من الأغذية والمواد الإغاثية والأدوية ذات الجودة العالية إلى أقاليم البلاد المختلفة، مما أسهم في إنقاذ أرواح مئات الصوماليين في مراكز اللجوء والنزوح.
أضف إلى ذلك افتتاح المملكة العربية السعودية في الصومال مكتبا تابعًا لمركز الملك سلمان للإغاثة والإعمال الإنسانية لدعم ومساندة اللاجئين اليمنيين في الصومال، وأيضًا المواطنين الصوماليين، وتنفيذ برامج إغاثية متعددة شملت المجالات الصحية والإغاثية، إلى جانب بعض الجهود في المجالات التعليمية والاجتماعية الرامية لدعم الأسر الصومالية وحمايتها وتأهيلها.
العلاقات التجارية:
تعد الصادرات الصومالية من المواشي من أهم صادرات الصومال للمملكة ودول الخليج العربي خاصة في موسم الحج. أما في مجال التعاون بين الحكومتين فهناك علاقة قوية بينهما خصوصا في مجال التعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية في كيفية تطوير التجارة الزراعية والحيوانية بين البلدين الشقيقين، وتنفيذ اتفاقيات سابقة في شأن تطوير الطب البيطري والاعتماد على وثائق الطب الرسمية الصادرة من وزارة الثروة الحيوانية والغابات والمراعي الصومالية.
وبهذه المناسبة أود أن أتوجه بالشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ الذي أصدر أمره الملكي الكريم لوزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية لرفع الحظر عن استيراد المواشي الصومالية إلى المملكة، وكانت تلك خطوة إيجابية منذ إقرار وزراء خارجية الدول العربية في قمتهم التي عقدت في القاهرة لتعزيز التجارة مع الصومال واعتماد صادرات المواشي من الصومال الى الأسواق العربية. ختامًا، أود التنويه عن جهود المملكة بتعزيز العلاقات الثنائية التي توجت في الآونة الأخير بتعيين سفير لخادم الحرمين الشريفين لدى الصومال، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المملكة تسعى إلى توطيد أواصر العلاقات الثنائية مع حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية، وترغب بتعزيزها لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، ونشكر أيضا دور المملكة المستمر في دعم الصومال بشكل منتظم سياسيًّا وإنسانيًّا منذ انهيار حكومتنا المركزية وحتى يومنا هذا.