اقترب مني ناصحاً: "يا ابني التمثيل حرام"، كنت حينها طفلاً لا يتجاوز طولي ساقه! نظرت له من الأسفل وأنا أقول بفهمي البسيط وبفمّ أثرم: "بس يا أستاذ ما معنا بنات"! أجاب سريعاً وهو يمسح رأسي المثلث: "ولو يا بابا، ولو".. صُفّت طاولتان كبيرتان بجانب بعضهما، فُرشت بشيء رخيص، يتدلى من فوقهما المايكرفونات، أما الستارة فكانت مستلفة من غرفة المدير.. كنت أرتدي زيّاً مسرحياً لا يناسبني تماماً، وأحفظ نصاً كتبه لي معلمي التونسي، قبل أن أحاول جاهداً أن أفعل شيئاً على الخشبة يصفق له الحاضرون.. بعد اختتام الحفل، جاء من ظنّ حينها أنه أفضل من بالحارة تديناً، ليقول لأبي إن ما أفعله رجس من عمل الشيطان، ولزاما عليه ردعي قبل أن اعتاد المشي على هذا الطريق العفن.. قطعاً لم أكن حالة فريدة تستدعي تدخل منظمات حقوق الطفل، بل حالة متكررة.. بعد ذلك بسنوات؛ حضرت مسرحية كاد يقضى علي فيها وأنا لم أتخطى ربع حياتي المفترض، وقتذاك شاهدت رجلاً بدا من سحنته أنه من الغرب ولسان حاله يقول: "هذا الجزء من المسرحية يبدو مشوقاً".. لم يكن ذلك الجزء الذي يتحدث عنه إلا مجموعة من المجانين هبّوا لتهشيم المسرح وتخريب الحدث.

هذه الأيام تبدو النتيجة مسرحيات عاجزة، فأداءات الممثلين كسيحة، النص يجلب النعاس، الديكور يعاد تعريفه بكونه "كراتين ملونة"، أما الضوء والصوت فعلاقتهما متوترة مع ما يحيط بهما، ورغم أنك تهرب من الهموم التي تتراكم عليك منذ الصباح لمسرحية ما إلا أنك تكتشف أن همك تضاعف، ومتعتك استقالت تلك الليلة، وبأن هذه المسرحية تحتاج مسرحية.. وأنه ليس من الصائب القول إن المسرح أبو الفنون، بل إنهم يلتقون بالجد الجد الخامس عشر لدينا.. وأن عليك أن تذهب لتنام مغلقاً ستار يومك.