لم تقتصر منافع الجائحة على الجوانب الصحية الوقائية فحسب بل تجاوزت ذلك لمختلف جوانب الحياة كالتعليم والتجارة والعمل وغيرها من المجالات. ففي التعليم أصبح التعليم عن بعد إحدى سمات هذه الجائحة فسخر الإنسان كافة الإمكانات لتستمر عجلة التعليم بالمضي قدماً رغم المخاطر واستحدثت منصات وفعلت أخرى وأثبت التعليم عن بعد كفاءته وجودته بل ربما تفوق في بعض المراحل والأنشطة التعليمية عن التعليم الحضوري، وهذا أيضاً ما دفعتنا الجائحة لتجربته قسرًا واتضحت جدواه وفعاليته لذا أرجو أن يستمر ولو بشكل جزئي مساند للتعليم الحضوري.
وأما فيما يخص العمل فقد أسهمت الجائحة في اكتشاف كفاءة العمل عن بعد وأن كثيراً من الوظائف يمكن تأديتها بكل دقة وإتقان من دون الوجود الفعلي بمقر العمل وبكل تأكيد الإنتاجية أهم بكثير من وجود جسدي من دون إنتاج بل وفي بعض الأحيان معطل لإنتاج المنتجين، وكذلك عززت كثير من المؤسسات أنظمة ساعات العمل المرن لتثبت مرة أخرى أن الفيصل هو تحقيق الأهداف وإن تغيرت الطرق والوسائل.
التجارة كذلك كان لها نصيب من منافع الجائحة فبسبب الجائحة انتعشت التجارة الإلكترونية وزادت ثقة الناس بمنصات التجارة الإلكترونية، وتنوعت وسائل الدفع الإلكتروني وزادت مأمونيتها وأصبحت أسواق العالم كله بين يديك تتسوق منها كما تشاء، وبمجرد اختيارك وشرائك وبعد عدة أيام تصلك لباب بيتك وإن لم تلق استحسانك تقوم بإرجاعها من باب بيتك، تنوعت منصات التجارة الإلكترونية وزادت المتاجر الإلكترونية، وكذلك تطورت معها شركات الشحن ومنصات التوصيل وهو ما كان للجائحة دور كبير في تسريع حدوثه.
ومن المنافع الاجتماعية المهمة تلك التي اقترنت بالاحترازات كالعزل الطوعي فمن تظهر عليه أعراض أو تثبت إصابته يعزل نفسه ويبتعد عن مخالطة الناس، وبالتالي يسهم في حماية مجتمعه ومن حوله، وكذلك ما يخص بعض العادات كالمصافحة والتقبيل أتت الجائحة وتم حث الناس بالاكتفاء بالنظر بدلا من المصافحة لتقليل فرص انتقال الفيروس، وكذلك الحث والتذكير بآداب وسلوكيات مهمة في حال العطاس والسعال وتلك الخاصة بغسل وتعقيم اليدين. وأرجو أن تستمر هذه العادات الصحية وأن نحافظ على هذه الدروس عبر تطبيقها لتصبح عادات صحية أساسية نحمي بها أنفسنا ومن حولنا من مخاطر العدوى التنفسية بمختلف أنواعها فغالبيتها تشترك في طريقة الانتقال وعوامل الخطر ودرجة الخطورة ووسائل الوقاية!
ومن أبرز الجوانب المضيئة في هذه الجائحة ما شهدناه وشهد به العالم أجمع من ريادة مستحقة للمملكة العربية السعودية في إدارة أزمة الجائحة بمنتهى الاحترافية والتناغم الفريد للقطاعات كافة والالتفاف الشعبي حول القيادة طوعا والذي من الصعب أن تجده له مثيلا في أي مكان سوى السعودية التي غلبت سلامة وصحة الإنسان عما سواها.
أكدت الجائحة أن الحياة بكل ما فيها يصعب أن تجد شيئًا ينفع من غير ضرر أو يضر من غير نفع وأنها دوماً ما بين التحديات والفرص!