عند دراسة تاريخ نشأة الدرعية التي أسسها الأمير مانع المريدي الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز– حفظه الله- عام 850هـ/1446م يتبين لنا أنه أسس الدرعية لتكون المدينة الدولة، وهذا ما ذكره المؤرخ راشد بن علي بن جريس الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، إن إنشاء دولة عربية في جزيرة العرب كان واضحاً في فكر الأمير مانع المريدي مؤسس إمارة الدرعية الأولى وأبناؤه وأحفاده من بعده.

حيث تميزت الدرعية بمعطيات دون غيرها عن المدن المحيطة بها، من حيث الموقع الجغرافي حيث نشأت الدرعية على ضفاف وادي حنيفة منذ عام 850هـ/ 1446هـ مما منحها اكتفاء ذاتياً من الناحية الاقتصادية، كما أصبحت هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة وكان ذلك سبباً لازدهارها تجارياً، كما كانت مركزاً مهماً للاستقرار حيث كانت إمارة مستقلة لا تتبع لأحد وليس لأحد نفوذ عليها أسوة بالبلدان المحيطة بها.

إلا أن تاريخ 1139هـ/ 1727هـ يعتبر نقطة تحول في تاريخ هذه الدولة بتولي الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية، والذي استطاع بفضل عمق نظرته المستقبلية وما يملكه من حس إداري فذ من نقل دولة المدينة إلى مرحلة الدولة، فعمل على البدء بالتغيير معلناً قيام (الدولة السعودية الأولى) لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأسرها.


فوضع لبنة الوحدة العظيمة التي وحدت معظم أجزائها تلك الوحدة التي لم تعرفها شبه الجزيرة العربية بل العرب جميعهم منذ قرون طويلة (فقد كانت شبه الجزيرة العربية تعاني التفكك والتناحر وانتشار الجهل والأمية) ونتيجة لهذه الوحدة فقد أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي.

فازدهرت التجارة حيث كان نظام التجارة في الدرعية أكثر انفتاحاً وأكثر منافسة، حيث كان الإمام محمد بن سعود حاكماً حكيماً في طريقة تعامله مع الإمارات المجاورة والعشائر المتنقلة، فكان عاملاً كبيراً في استتاب أوضاع الإمارة، وازدادت أهمية الطرق التي تمر بها قوافل التجارة والحج بتأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى، حيث عمل على تأمين هذا الطريق، وإقامة معاهدات مع القبائل وأمراء المدن التي يمر بها والاتفاق معهم على تقديم الخدمة وضبط الأمن للمستفيدين منه، مما ساعد على شهرة وازدهار الدرعية.

حتى أصبحت الدرعية في عهد الإمام محمد بن سعود قوة سياسية واقتصادية.

قضى الإمام محمد بن سعود أربعين عاماً بين القيادة والتأسيس واستمرت الدولة حتى عام 1233هـ/1818م بعد حملة دمار وتخريب شنها إبراهيم باشا ظلماً وعدواناً على مدينة الدرعية وهدم أسوارها ومعظم أجزاء نجد، وبعد سبع سنوات قيض الله لهذه الدولة الإمام تركي بن عبد الله وتمكن من وضع لبنة جديدة راسخة من لبنات البقاء والثبات وتمكن من إعادة توحيد معظم أجزاء الجزيرة العربية في مدة قياسية، واستمرت الدولة السعودية الثانية على الأسس ذاتها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى من حفظ الأمن والقضاء على الفرقة والتفاخر، وضلت الدولة السعودية الثانية حتى عام 1309هـ/1891م.

وبعد فراغ سياسي استمر 10 سنوات وتحديداً في 5 شوال 1319هـ/1902م تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود– طيب الله ثراه- من استرداد الرياض ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، ويضع لبنة أخرى من لبنات الوحدة، ويتمكن من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية.

ويأتي يوم التأسيس استشعاراً لهذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية وتخليداً للملاحم البطولية التي خاضتها دولة الدرعية والأدوار الكبيرة التي اضطلعت بها منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى حتى العصر الحاضر واستذكاراً لامتداد تأسيس كيان سياسي حقق الوحدة والاستقرار للدولة السعودية لأكثر من ثلاثة قرون.