ينتهي بعد غد الجمعة اجتماع الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، بمشاركة وفد من المملكة العربية السعودية يترأسه وزير الصحة لمناقشة عدد من المواضيع، ومن أهمها الوقاية من الأمراض غير السارية (غير المعدية)، ومكافحتها عن طريق التحكم بعواملها الأربعة الرئيسة؛ وهي الغذاء المتوازن والنشاط البدني واستهلاك الكحوليات والتبغ. وللتذكير فإن الوزير قد اختير العام الماضي ضمن ستة وزراء عالميين من أصل 155 وزيرا للصحة في جلسة عمل متخصصة بمؤتمر منظمة الصحة العالمية في موسكو، تعنى بأنماط الحياة الصحية ومكافحة الأمراض غير المعدية وعواملها السابقة الذكر، ومن أهمها استهلاك التبغ خاصة، كما أن الوزير يرأس اللجنة الوطنية لمكافحة التبغ منذ عام 1428.

هذه اللجنة تضم وزارات الصحة والداخلية والمالية والشؤون الاجتماعية والتجارة والتربية والتعليم والشؤون البلدية والقروية والثقافة والإعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب.. هذه اللجنة لم تتمكن من استصدار قانون منع التدخين في الأماكن العامة، ولم تستطع سن القوانين والعقوبات على بيع التبغ لمن هم أقل من سن الـ 18 عاما مع ضمان تنفيذها، ولم تقدر على تنفيذ ما وقعت المملكة عليه ضمن الاتفاقية الإطارية العالمية لمكافحة التبغ.

لا أعلم حقيقة كيف يمكن لهذا الوفد تفسير التخاذل عن الالتزام بهذه الاتفاقية، إذا ما علمنا أنها في مادتها الخامسة تنص على تنفيذ الاستراتيجيات الخاصة بمكافحة التبغ ضمن القانون الوطني وهو الشريعة لدينا، والتي حرمت التبغ منذ الأزل بفتاوى صريحة من هيئة كبار العلماء، مما يوحي بأننا سنكون في مصاف الدول العالمية بالالتزام بهذه الاتفاقية وتفعيل معظم بنودها، لكن على النقيض نحن في مصاف الدول العالمية كرابع أكبر دولة مستوردة للسجائر في العالم والـ 19 في فئة نمو سوق السجائر العالمي، هذا دون قياس لسوق الشيشة والمعسل الذي لا يعلم حجمه حتى الآن.

لا أعلم كيف يمكن لهذا الوفد إضحاك المحفل العالمي عليه عندما يعلمون برفض مجلس الشورى لتوصية بمنع بيع التبغ لمن هم دون سن الـ 18 وتذييله بالتفسير المتناقض بأن إقراره سيوحي بجواز بيعه لمن جاوز عمرهم الـ 18، ماذا عن بيعه للجميع أساسا وهو محرم حسب قانون الدولة وهو الشرع؟! كيف يتم التبرير طيلة الأعوام الماضية بأن البيع لا يعني الجواز، بينما المنع لفئة هي الأكثر عرضة لبدء ممارسة هذه العادة يعني جوازه للبقية؟!

ثم لماذا يتم الرفع أصلا بتوصية لمجلس الشورى بأمر تم الاتفاق والتوقيع والمصادقة عليه عالميا وتم تكوين لجنة وطنية من وزارات عدة لتقوم بوضع الآليات والتشريعات والقوانين التنفيذية؟ هل هذا الرفع – وهو في غير محله - لمجلس الشورى يعني أن المملكة ستتراجع عن الالتزام بالمادة الـ 16 من الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ لعدم قدرتها على تنفيذها وبالتالي الانسحاب من الاتفاقية التي لم ما زالت تحبو في تنفيذها؟

مسلسل الأخطاء يستمر عندما يصدر تعميم من وزارة الشؤون البلدية والقروية بمنع بيع منتجات التبغ لمن هم دون سن الـ 18 وتقوم بتذييله بالوعيد بأن من يخالفه ستطبق بحقه المادة 9/3 من لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية، هذه المادة تحمل نوع المخالفة التالية: "أي مخالفة لأنظمة البيع لم تحدد لها عقوبة" وغرامتها بحد أدنى 100 ريال وبحد أقصى 500 ريال! هل تعلم وزارة الشؤون البلدية والقروية واللجنة الوطنية لمكافحة التبغ أن المئة ريال – في حال استطاعوا فرض الرقابة وتحصيلها - هي ما يحصل عليه البائع كحد يومي أدنى من الأطفال الذين يقومون بشراء السجائر بالتجزئة كل صباح وقبل العودة ظهرا من مدارسهم حتى لا يلاحظ أهاليهم علبة السجائر كاملة بجيوبهم؟!

ضرب عرض الحائط بكل الإثباتات العلمية لأضرار التبغ الصحية والاقتصادية؛ من استنزاف لأرواح وإهدار للمال العام لعلاج أمراض القلب والسرطانات، والتدليس على أفراد المجتمع بالدخول في نقاشات لا منطقية من تشكيل لجان لتحديد السن، وتحوير القانون الوطني، وهي الشريعة حسب الأهواء.. كلها إشارات لعدم الجدية في التعامل مع هذه القضية ومحاولة شراء الوقت قدر المستطاع لشركات التبغ في المملكة من دون قوانين تنفيذية بديهية تقوم بها 76 دولة حول العالم.

شهر مايو قارب على الانتهاء ونهايته معيبة في مكافحة التبغ، فيوم الخميس31 مايو هو اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، وموضوعه هذا العام "تدخل دوائر صناعة التبغ". لعل الوضع يتم تداركه حتى لا يتم تقديم المملكة عالميا كدراسة حالة على نجاح شركات التبغ في التجذر.