مع ظهور متحور «أوميكرون» تخوف الناس، وعادت لهم ذكريات قريبة لقرارات مؤلمة في بداية الجائحة، من حجر وحظر تجول وإغلاق حدود، وبدأ البعض في إعداد نفسه لتكرار تلك المرحلة القاسية. ومع صدور بعض القرارات التحفظية الاحترازية هنا وهناك، زادت التكهنات بقرب القرار. ومع تراكم البيانات وازدياد المعلومات، وفي ظل نضج المعرفة حول هذا الفيروس، وتوافر اللقاحات والإمكانات، أتت القرارات بعد الاطمئنان مبشرة، وبإذن الله لا عودة للخلف أبدا إلا للاستفادة من الدروس.

مع بداية هذا الأسبوع، أعلنت وزارة الصحة المرحلة الجديدة في معركتنا مع فيروس «كورونا» ومتحوراته «مناعتنا حياة»، وبإذن الله تكون مرحلة نهاية الجائحة وزوال الخطر. وعلى الرغم من الازدياد المتسارع في حالات الإصابة المسجلة حول العالم، بما في ذلك السعودية، مع ظهور «أوميكرون»، فإن المؤشرات والبيانات الأولية من هنا وهناك تدعو إلى التفاؤل بأن «أوميكرون» أقل ضراوة من سابقيه، ربما لخصائصه أو بسبب زيادة معدلات التحصين عالميا.

تشابهت الظروف، ولكن تباينت القرارات، وأصيب البعض بالارتباك!، فالمؤشرات الوبائية من ناحية ازدياد الحالات مخيفة، ولكن مختلفة من نواحٍ أخرى مثل معدلات الحالات الحرجة والوفيات ونسب التحصين. لذا، فإن القرارات بالتأكيد ستختلف كثيرا عما كانت عليه بداية الجائحة، فموازنة المكاسب والخسائر بلا شك سترجح التخفيف، والعودة للحياة الطبيعية، متسلحين بالوعي والحرص عبر ما اعتدناه من احترازات، ومحصنين بما أنتجه لنا العلم، ووفرته لنا حكومتنا الرشيدة، في ظل المستوى العالي من الاستعدادات الصحية، ووفرة التجهيزات ووسائل الحماية، وحالة الوعي المجتمعي الذي أسهم في نجاح جهود التصدي لهذه الجائحة، وما زال وسيظل مخلدًا في تاريخ السعودية الزاخر بقصص التلاحم والتناغم ما بين الشعب وقيادته.


الخسائر التي خلفتها هذه الجائحة كبيرة، ما بين بشرية واقتصادية واجتماعية، بل تعدت ذلك لما لم يظهر تأثير الجائحة عليه بعد، والتعويض غير ممكن بالضرورة، وفي أحسن الظروف يحتاج لجهد كبير ووقت طويل. ومن تلك الخسائر التي يصعب تعويضها، وتأثيرها يمتد لسنوات، وربما أجيال، تلك المتعلقة بالتعليم، فأبنائنا وبناتنا في مراحلهم الأولية خسروا الكثير بسبب هذه الجائحة، وإعادتهم لمقاعدهم وفصولهم مهمة لتطورهم ونموهم السليم، ذهنيًا وسلوكيًا. أتفهم قلق بعض الأهالي وخوفهم على أبنائهم من إعادة الحضور للمدارس، ولكن الفاقد التعليمي كبير، وما خسره الصغار نتيجة ابتعادهم عن مدارسهم وفصولهم من مهارات اجتماعية وسلوكية لا يقدر بثمن، ومن الصعب أن تعوضه الدراسة عن بُعد، فالإعادة ضرورة، والواجب تهيئة الأطفال لذلك نفسيا، وتوعيتهم صحيا بطرق الوقاية، وتوفير وسائلها لهم، من كمامات ومعقمات. ومهم أيضًا، بعدما استكملت الدراسات وأثبتت مأمونية وسلامة اللقاحات للصغار، المسارعة في تسجيلهم في تلقي اللقاحات، حماية لهم ولمن هم حولهم من الأكثر عرضة لأخطار الإصابة بالفيروس.

مرحلة مهمة تعود الحياة معها لفصول صغارنا، ليعوضوا ما فاتهم، ويحموا عقولهم، محترزين ليحموا أنفسهم ومن حولهم من بأس «كورونا»، بعد أن كان الابتعاد عن الفصول أحد الحلول، للحد من انتشار الفيروس، والسيطرة عليه لما يقارب العامين، واليوم أصبحت العودة هي الحل، لمحاربة تأثيرات هذه الجائحة على نمو صغارنا، فالجسم السليم يحتاج بلا شك لعقل سليم!.