الماضي هو الحاضرُ، الماضي هو المستقبل، تمر الأيام وتحول إلى الأسبوع، والأسبوع يتغيرإلى الشهر، والشهور إلى السنين والأعوام ويمضي بنا الزمان، لتدق أجراس الوداع، فنمضي تاركين خلفنا لحظات جميلة، لتبقى ذكرى تُكتب على سطور النسيان.

من يشنقه صوت الماضي لا يستطيع مخاطبة المستقبل، لا يستطيع الإنسان أن يعيش بقلب ممتلئ بالثقوب من ذكريات الماضي، ولا يمكن أن يتفق المرء مع ذاكرته لأنها مليئة بالثقوب والذكريات، والذكريات الجميلة نجم في سماء الماضي يضيء لنا، ودرة فخر تتلألأ ونزين بها كلامنا، وسفينة أحلام نركبها ونبحر بها عبر الأيام الحاضرة، بأمل استعادتها في القادم من أيامنا، حيث تٌعد الذكريات صورة قديمة تَعود مهما حاولنا إخفاءها، وهي ما يُشكّل حاضرنا ومُستقبلنا.

الماضي كمفهوم يتقاسم مساحة وعينا به مع الحاضر والمستقبل، وحين يكون الماضي موضع الإنجازات المتحققة والآمال المبلوغة، فإن المستقبل يكون موضع الإنجازات التي لم تتحقق بعد، والآمال التي لم نبلغها بعد، ويظل الحاضر في هذا الثالوث، هو موضع العمل والجهد والكد والبناء.


إن علاقة أي أمة بماضيها تشكل أهمية حاسمة لحاضرها ومستقبلها، وقدرتها على «المضي قدماً» في حياتها، أو قدرتها على التعلم من أخطاء الماضي، والاستفادة منها حتى لا تكررها، يبين لنا التاريخ الذي يشل قدرة الأمم على «المضي قدماً»عن مواجهة الماضي، الذي قد يفتح الباب أمام الانتقادات في الحاضر.

الماضي هو موضع الأساطير والخرافات، والحاضر موضع الوهم عن الماضي، والمستقبل موضع الأحلام، فمن يسيطر على الماضي يسيطرعلى المستقبل، ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي، فالماضي موجود في الحاضر ومؤثر في المستقبل تتحكم به آمالنا للمستقبل وحاجاتنا الملمة على الأرض في الحاضر.

الماضي هو كتاب مفتوح ووقود فاعل، في حراك الحاضر وأهداف المستقبل، الماضي الذي يتساير معنا في ثوب الذكريات، التي لا تنطوي أبدا، عندما يحن القلب للأحداث القديمة يتمنى أن يعود إلى الماضي، الماضي لا يموت ولا يدفن، بل إنه يُبعث في الحاضر بألف صورة وصورة.

في الذكريات الجميلة مثل النجوم التي تضيء سماء الحاضر وتصنع المستقبل.