كثيرة هي البرامج الحوارية على الفضائيات العربية، إلا أن ما يميز برنامج "في الصميم"، على شاشة BBC العربية، هو مقدرة مقدمه الصحفي حسن معوض، على إدارة الحوار بأسلوب مختلف، وبإمكانات مادية بسيطة. ليخرج المشاهد في نهاية الحلقة بمحصلة علمية جيدة، ومعلومات مفيدة، وسط حوارية "ساخنة" دون الوقوع في فخ "الابتذال" الإعلامي.

معوض، الذي اكتسب شهرته لدى المشاهد الخليجي عبر شاشة "العربية" التي قدم من خلالها برنامج "نقطة نظام"، عرفه المشاهد بسحنته السمراء الجادة، وبأسئلته التي تُسيج الضيف، ولا تدع له مجالا للمراوغة، وتدخل معه في تفاصيل التفاصيل، فالحوار لدى معوض نوع من السجال العلمي بين طرفين، وهو أيضا ضربٌ من التحقيق الاستقصائي، الذي يحاول من خلاله أن يكشف حقائق يسعى الضيف جاهدا لإخفائها، أو تقديمها مموهة.

حوارات عدة أدارها معوض مع شخصيات مهمة، كالرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، إلا أن المشاهد لا ينسى حلقته مع شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي، والأخرى مع الداعية السعودي الشيخ عادل الكلباني، وما تبع ذلك من أصداء وارتدادات، والسبب، أن معوض عرف كيف يخرج المعلومة، والموقف، والرأي من فم "التنين"، دون أن يحيد عن الموضوعية، والأصول المهنية، واللياقة التي يجب أن يتحلى بها كل محاور.


هذا التميز في الأداء، - حسب ما أعلم - لم يكن لولا أن معوض يعمل بشكل شخصي على إعداد ملف متكامل عن كل ضيف، غير معتمد على فريق الإعداد وحسب، بل على ذاته أولا، وما يمتلكه من شبكة علاقات واسعة، يُفعلها للحصول على معلومات تفصيلية عن ضيوفه. وهي المعلومات التي لا يخجل أن يسأل عنها الصغير أو الكبير، طالما أنه في عملية بحث "استقصائي". أضف لذلك، خبرة السنين، والمخزون الثقافي الذي يمتلكه الرجل. وهنا الفرق بين مذيع يبحث عن التميز في الأداء، بجد وحرفية الصحفي الميداني، وآخر يبحث عن شهرة سريعة، ونجومية جوفاء، لا تلبث أن تزول مع أول امتحان حقيقي، حينها يكون السقوط المريع أمام الجمهور.