قال لي: «نحن لا نعطي ذلك لكن هذه المرة علشانك».. شعرت بالفخر والاعتزاز، لقد خصني بعطاءٍ ما خص به أحداً من العالمين، كيف لا وهو يقول لي «علشانك»..

ما أجمل أن يكون لك شأن!

ثم إنني تفكرت في مفهوم العطاء فوجدت أنّ كثيراً من الناس تبالغ وتسيء فهمه؛ فتسمع وتقرأ منهم «حلطمة» مفادها أنهم يعطون ولا يأخذون، وأنهم أعطوا وأعطوا وأعطوا وقدموا وتفانوا ثم قوبلوا بالجحود والنكران.. ويتبعون «حلطمتهم» تلك بنصائح توصي بألا تعطي إلا من يستحق ولست أدري من ذا الذي عندهم يستحق! تتجد أن عطاءهم مزعوم مزعوم، يعظمونه ويضخمونه..


يوصلك أحدهم بسيارته فيشعرك وكأنه دار بك في جزر هاواي، أو يسعى لك في خدمة عادية فيتعامل معك وكأنه أمّن لك مستقبلك. أو يعزمك على صبة فلافل (أدام الله عزها) فيتكلم بها عند القاصي والداني شهرين متتابعين..

فإذا أشار عليك بأمرٍ ونفذته وكانت مشورته مفيدة لك أذلك بها وأرادك أن تكون مديناً له مدى الحياة، وإن لم تطبقها وخسرت أذلّك أيضا وعاتبك أمام البشرية كلها لأنك لم تتبع حكمته العظيمة، وعندها لا تدري أتحمل همّ المصيبة أو المشكلة التي أنت بها أو تحمل همّ شماتته المبطنة بصيغة (قلت لك افعل كذا ولم تسمع نصيحتي).

سئل حكيم: ما العطاء؟ قال: أن تمنح الخير ولا تلتفت، فلا تمنّ ولا ترائي، ولا تنتظر رد العطاء. فإنّ العطاء ليس سلعة تباع وتشترى، وإنّ مقابله يكون أثراً متتابعاً طويل المدى، ثم بكى..

فقيل له: ما يبكيك أيها الحكيم؟ (كل شوي قاعد تبكي!)

فقال: أبكي لحال الناس، صاروا يمنون حتى على الواجبات والجوانب الإنسانية، يعتبرون السلام تفضلاً والتعزية عطاءً والابتسامة منحة والأمانة تكرماً.

أما الرجل الذي أعطاني ما لم يعط أحداً من العالمين، فذلك أنني دخلت مطعم «كشري» وطلبت منه ما يسمونه (التقلية أو الكشنة وهو البصل الذي يوضع على الكشري)..

طلبت أن يعطيني بريال كما هو محدد في (أسعار قائمة الطعام) لأنني اشتهيته مع رز بخاري اشتريته، فقال لي: نحن لا نعطي هذه الزيادة إلا إذا اشتريت كشري معها، لوحدها لا نعطي، لكن هذه المرة علشانك. العجيب أنني انبسطت.

فما أجمل «علشانك» هذه، ولو كانت بصلا بريال واحد.. والله يديم النعم.