تترك تجربة الطلاق آثارا يجد كثيرون صعوبة بالغة في تخطيها، حتى مع مضي وقت، يفترض فيه كثيرون أنه كفيل بمعالجتها. لذا، فإنه مع تجاوز البعض تلك الآثار يبقى آخرون أسرى لها، يجترون ما يصفونه بأنه «الفشل» في حياتهم الزوجية، ويصابون بما يمكن توصيفه بأنه «فوبيا الزواج الثاني»، مما يمنعهم من تكرار التجربة مرة أخرى بعد الانفصال، خشية تكرار الفشل.

وكثيرون ممن مروا بزواج سيئ، وانفصال مُر يصابون بحالة من الخوف والخشية والرهبة من تكرار تجربة الزواج، حيث يخلق الانفصال الأول لديهم عقدة يصعب تجاوزها، خاصة إن كان الزواج تتويجا لقصة حب استمرت طويلا.

وإذا كانت المطلقة في مجتمعاتنا تبقى في انتظار من يطرق بابها، فإن المطلق الذي يمكنه اتخاذ قرار الزواج مرة ثانية يعاني بدرجة أوضح «فوبيا الزواج الثاني»، التي تمنعه من التحرك في اتجاه الارتباط بزوجة جديدة، وذلك تحت وطأة الخوف، وتجنب الشعور مرة جديدة بالفشل، ورهبة إعادة التجربة، خشية من الانفصال مرة أخرى. والأدهى أن هؤلاء غالبا ما يتحفظون، فلا يفشون ما في دواخلهم، ولا يعبرون عنه، ويبقوا نتيجة ذلك أسري مشاعر القلق والحيرة والتردد التي تنتاب معظمهم.


تجربة قاسية

يحكي «ح. القحطاني» عن تجربته خلال فترة الطلاق، حيث بقي 5 سنوات دون زواج بعد الانفصال الأول، على الرغم من الإلحاح الكبير الذي وجده من أهله، لدفعه للزواج من جديد والارتباط وتكوين أسرة. ويقول: «كنت أخشى تكرار التجربة، وقد عانيت طيلة 5 سنوات القلق والتفكير، والخوف من إعادة التجربة، لأنني لم أكن أريد خوض تجربة انفصال جديدة».

ويشير إلى أن أصدقاءه المنفصلين عن زوجاتهم لديهم الشعور نفسه، وهو الخوف من المجهول، لذلك فضل البقاء دون تكرار التجربة، وأشغل نفسه بالسفر والترفيه والعمل والتجارة، للابتعاد تماما عن فكرة الزواج مرة أخرى.

مرارة التكرار

يشير «س. الغامدي»، الذي يبلغ الخمسين من العمر حاليا، إلى أنه عاش تجربة الزواج مرتين من قبل، وأنه لم يرزق خلالهما بأطفال. ويوضح: «تزوجت مرتين، وفي كل زواج كان هناك فشل، الأمر الذي جعلني مترددا وخائفا من تكرار التجربة من جديد، خصوصا أن تجربتي الأخيرة أوصلتني إلى أروقة المحاكم، لحسم أمر الانفصال».

ويضيف «الغامدي»: «لم أعد أسمح لأي شخص بأن يحدثني عن فكرة الزواج من جديد، وغالبا ما انفعل وأغضب بشدة حين يتحدث أي كان معي بهذا الشأن».

ويتابع: «كل الأقارب والأصدقاء باتوا يعرفون طبعي، وأغلبهم يقدر عدم رغبتي في التحدث في مثل هذا الأمر، وصاروا يتجنبونه في حضوري».

فقدان الثقة

لتجربة الطلاق وقعها الشديد، الذي يتطلب بطبيعته فترة كافية لتجاوز آثارها وانكساراتها، حيث تنتاب المطلق مشاعر متضاربة جدا، منها ضعف الثقة في النفس، والخوف من الحب والزواج، وتجنب إظهار المشاعر لطرف جديد، وكتم كل إمكانية للفرص التي يمكن أن تُدخل الشخص في مرحلة جديدة، تمهد لزواجه مرة أخرى.

ويقول الدكتور تيم أورباش، وهو مؤلف كتاب «ست خطوات للعثور على الحب مرة أخرى»: «المطلقون والمطلقات يعانون صعوبة الارتباط مرة أخرى، حتى لو أكدوا بأنفسهم أنهم غير نادمين على الانفصال الأول، وأنهم لا يجدوا غضاضة في الارتباط بأشخاص آخرين».

من جهتها، توضح الاستشارية الأسرية مها الأحمدي لـ«الوطن»: «أغلب الرجال الذين يمرون بالطلاق لا يفضلون إعادة التجربة، إلا القليل منهم الذين يقدمون على إعادة هذه التجربة، خاصة مع إلحاح الأهل عليهم. أما من يبقى فترة دون إعادة التجربة، فإنه يستجيب في الغالب لمشاعر الخوف من المجهول، ويصاب بفوبيا الزواج الثاني، بمعنى أنه يشعر ويتوقع أن يصادف الفشل مرة أخرى».

وتضيف: «يعتقد معظم من فشلوا في زواجهم الأول أن سبب الطلاق هو فشلهم في الحفاظ على حياتهم وأسرهم، وهذا يسبب انزعاجا لهم، ولعل الانزعاج يكون أشد بالنسبة للرجل منه بالنسبة للمرأة».

وتابعت «الأحمدى»: «هناك أيضا مخاطر أخرى من استعجال المطلق الارتباط بأخرى، فالاستعجال في الارتباط ليس أبدا دليلا على عدم معاناته فوبيا الزواج الثاني».

وتنصح: «على الرجال بعد الطلاق عدم استعجال الارتباط بأخرى، وعليهم أن يأخذوا وقتهم الكافي لمراجعة شؤونهم وترتيب أفكارهم، والخلوة بأنفسهم، ومعالجة ما يرون أنها أخطاؤهم، للبدء من جديد في تكوين حياة جديدة تنطلق من خبرة التجربة السابقة، بحيث ينسى جميع ما كان يعانيه مع الزوجة الأولى، ويبدأ حياة جديدة، بعد التخلص من مشاعره القديمة».

غياب المشكلة

لا يرى المحلل النفسي بدر العبدالله أن هناك أي مبرر لاستعجال الزوج الارتباط بأخرى، ولا يرى ضيرا من انتظاره لفترة قبل الإقدام على هذه الخطوة، بل يرى هذا الانتظار من الضرورة بمكان بعد التجربة الأولى، لأهمية ذلك من الناحية النفسية، حيث تعد هذه الفترة ضرورية لمراجعة الحسابات، والتغلب على القلق والتردد والخوف من المجهول. كما أن عدم تكرار تجربة الزواج من قِبل بعض الرجال لا يعود لحزن أو انكسار، بل يعود، في أحيان كثيرة، إلى الخوف والتردد، لذلك فهو بحاجة لفترة زمنية، حتى يعود إلى اتزان حياته الاعتيادية التي كان عليها قبل الارتباط، ويعود ذلك إلى أن عقل الرجل يتعامل مع الموضوعات بشكل منفصل عن مشاعره، لذلك فاحتمال ارتباطه بامرأة أخرى يبقى موجودا، حتى لو كانت حياته الزوجية الأولى تعيسة على مدى طويل مع مطلقته.

طرق التغلب على الخوف

لا تترك «فوبيا الزواج الثاني» على امتدادها تطبق بكل قوتها على المنفصلين، فثمة طرق عدة يمكن عبرها التخلص منها، أو على الأقل تخطي آثارها العميقة، حيث يقول المستشار الاجتماعي صالح أدهم: «هناك طرق عدة لا بد على الزوج المطلق أن يتبعها، حتى يتغلب على الخوف، ومنها مواجهة النفس، وتحديد نقاط التقصير التي كانت تصدر عنه في زواجه الأول، ومحاولة إصلاح هذه الثغرات، حتى لا يكررها في التجربة الثانية. كذلك التعامل مع المرحلة السابقة باعتبارها تجربة ومضت، فلا يفكر فيها، ولا يشعر بالخوف من تكرار التجربة مع طرف آخر، ولا بد عليه أن يحرص على التعامل مع الطرف الآخر بعد الطلاق باحترام وتقدير العشرة وتقدير مشاعر الأطفال بينهما، إن وجدوا».

ويضيف: «من أهم الأمور التي لا بد أن يتحلي بها الرجل بعد الطلاق هي عدم جلد ولوم الذات، والتركيز على الحياة الزوجية الجديدة، والانشغال في العمل والترفيه عن النفس».

علاجات أخرى

مع الإقرار أن «فوبيا الزواج الثاني» من أخطر مخلفات الطلاق، خاصة ذاك الذي يأتي دون اتفاق أو ترتيب بين طرفيه، فإن ثمة طرقا للمعالجة من آثاره، منها الانتظار لفترة كافية، وأخذ هدنة حتى تهدأ آلام الطلاق، والتأكد من حقيقة المشاعر تجاه شريك الحياة السابق، لتطوى صفحته بطريقة سليمة ونهائية، تمهيدا للارتباط بشريك جديد، والتعلم من التجربة السابقة، ومعرفة نقاط القوة والضعف، للاستفادة منها في الزواج الثاني، والتخلص من الخوف والقلق وتجاوزهما، حتى لا يبقيا عائقين أمام الارتباط الثاني، وتجنب التشاؤم، والتخلص من مخلفات التجربة السابقة، وتجنب تذكرها، والتفكير بإيجابية الزواج الثاني بعد الطلاق، والتفاؤل بإيجاد شريك مناسب.

الاندماج

يوصي كثير من المختصين في الطب النفسي المطلق بالحرص على الاندماج مع المجتمع والعائلة، وتكريس التواصل المجتمعي، لأن تجاهل كل الأشياء قد يضعه تحت ضغوط نفسية واجتماعية، قد تقوده إلى الإصابة بالإحباط واليأس نتيجة إحساسه بالفشل في زواجه، وقد يصل الأمر به إلى أبعد من ذلك. كما قد يصاب بالوحدة العاطفية، والشعور بالرفض المجتمعي، لأنه مطلق، وهذا قد يؤدي أيضا إلى إحساسه بالندم والذنب.

كما يرون أن التجربة السيئة والمؤلمة للزواج الأول تقود المطلق إلى العزوف عن الارتباط الجديد، لتجنب الإحساس بالألم النفسي والمشاعر السلبية، والاستغناء عن الاحتياجات الجسدية والجنسية، وهو ما يسميه الطب النفسي «التجنب المرضي لتجربة سيئة سابقة». لكنهم يرفضون أن يخضع المطلق بشكل مطلق للخوف، الذي يمكن أن يدمر حياته، وأن يفقده الطلاق الثقة في نفسه، وقدرته على الاختيار مدى الحياة.

لوم الآخر

يطالب مؤلف كتاب «ست خطوات للعثور على الحب مرة أخرى» بالنظر إلى فشل العلاقة السابقة على أنه مسؤولية مشتركة، وليست مسؤولية فرد من طرفيها بعينه، فكثيرون يلقون اللوم على الطرف الآخر، ويحمّلونه مسؤولية إفشال العلاقة، لأنه ـ حسب زعمهم ـ لم يستطيعوا فهمه، أو يلقون اللوم على أنفسهم، فيرون أنهم لم يكونوا مستعدين بعد للارتباط، أو أنهم لم يعطوا الطرف الآخر ما كان يحتاجه منهم، وهم في الحالة الأخيرة يشعرون بالذنب، ويدخلون في حالة من الاكتئاب والحزن.

وغالبا ما تكون النساء أكثر ميلا للوم الرجال في فشل زواجها السابق، بينما يميل الرجال عموما إلى لوم أنفسهم على فشل العلاقة.

جوانب مادية

لا يقتصر التأثر بعد الانفصال، والإحجام عن الزواج الثاني، فقط على عوامل نفسية نجمت عن فشل التجربة الأولى، بل قد يتعدى الأمر ذلك، ويصل إلى الظروف المادية، وتكلفة الزواج الثاني بعد الخسارة التي تعرض لها المطلق من فشل زواجه السابق.

كما تلعب مسائل أخرى ذات صلة دورا مهما مثل الوصاية على الأطفال، وهل سيتقبل الطفل شريكة والده في الحياة الجديدة أم أنه سيشعر تجاهها أو حتى تجاه الأب بالكراهية؟. كما قد يضطرب الطفل من اضطراره للانتقال إلى مسكن جديد.. إلى آخر مثل هذه المشكلات التي تبقى في صلب الزواج والانفصال.

نصائح لنسيان تجربة الزواج الفاشل

ـ الابتعاد عن الأشخاص الذين يتحدثون بصفة مستمرة عن الزواج السابق

ـ محاولة عقد صداقات جديدة، لبداية جديدة ليس فيها من رواسب الماضي شيء

ـ تغيير بعض العادات السيئة التي قد تكون أثرت على الزواج السابق

- عدم ذكر الشريك الأول أو اتخاذه وسيلة للمقارنة مع أي أحد

علاجات لـ«فوبيا الزواج الثاني»

ـ مواجهة النفس

ـ التفكير الإيجابي

ـ عدم جلد ولوم الذات

ـ تحديد نقاط التقصير في الزواج الأول

ـ محاولة إصلاح أخطاء الزواج الأول

ـ التعامل مع الزواج السابق كمرحلة وانتهت

ـ التركيز على الحياة الزوجية الجديدة

ـ الهدنة الكافية، بمعنى الانتظار لفترة قبل الزواج الثاني

ـ التأكد من المشاعر تجاه الشريك السابق، لفتح صفحة جديدة مع شريك جديد

ـ تعلّم كيفية التواصل مع شريك الحياة

ـ التغلب على الخلافات الصغيرة التي تثيرها الحياة اليومية

ـ التحكم في الغضب بوسائل بسيطة

- حسن الاختيار، ودراسة الوضع جيدا، ومن كل النواحي

- حسن الظن بالآخر

ـ تجنب فكرة أن الجميع متشابهون

- تحديد الأولويات في الزواج الثاني

- الواقعية مطلوبة، والتغاضي عن الهفوات والزلات البسيطة

- عدم التسرع في اتخاذ قرار الزواج الثاني، ثأرا أو نكاية في الشريك الأول