في نهاية 2021 بلغت تقديرات انبعاثات الميثان نحو 7 مليارات طن متري مكافئ لغاز ثاني أكسيد الكربون من أصل انبعاثات غازات الكربون للعام لنفس الفترة عند 52 مليار طن متري، وهذا يوضح بجلاء عودة العالم ككل إلى سلوكه ما قبل جائحة كورونا من خلال بعث المزيد والمزيد من غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، وذلك بعد انخفاض سجله عام 2020 عن عام 2019 في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فقط بأكثر من 6 مليارات طن مترية بسبب الإغلاقات ليبلغ 40 مليار طن متري.
من الملفت للانتباه أنه بانخفاض كميات ثاني أكسيد الكربون CO2 في عام 2020 بسبب إغلاقات جائحة كورونا لم يتغير معدل متوسط الزيادة في درجة حرارة كوكب الأرض التي بلغت نصف درجة مئوية منذ بداية القرن مقارنة بالقرن العشرين الماضي.
ولكنه عاد في نهاية 2021 ليرتفع قليلاً بمعدل 0.01 درجة مئوية بالتوازي مع زيادة انبعاثات غاز الميثان CH4 مقارنة بمتوسط السنوات الثلاثة الماضي أي ما قبل الجائحة وخلال الجائحة وما بعدها.
وهذا يؤكد ما ذهبت إليه سابقاً أن مشكلة التغير المناخي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكميات الميثان CH4 المنبعثة وليست كميات ثاني أكسيد الكربون الذي هو جزء من النظام الطبيعي لكوكب الأرض والذي تتغذى عليه الأشجار وبعض الكائنات الأخرى.
هذا لا يعني أن أخالف كل الآراء العلمية التي أراها مدفوعة بالسياسة الأمريكية والأوروبية والتي تدعم فقط المشاريع التي تنظر من نفس منظورها. فثاني أكسيد الكربون يرتبط شئنا أم أبينا بالاحتباس الحراري، لكنه ارتباط غير مباشر من جهة وارتباط ضعيف الأثر إذا ما قارناه بكميات غاز الميثان CH4 الذي يؤثر جزيئه الواحد على المناخ بأكثر من 800 ضعف مقارنة بأثر جزيء ثاني أكسيد الكربون CO2 وهذه الحقيقة بحاجة إلى مواجهة علمية منطقية بعيداً عن اللهجة الحادة التي يستخدمها البيئيون المتشددون في الدول الغربية تجاه صناعة النفط والغاز تحديداً.
دعوني أعطكم نبذة سريعة عن أكبر الدول الباعثة للميثان CH4في العام الماضي؛ جاءت الصين في الصدارة بأكثر من 1.2 مليار طن متري مكافئ، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية ثم روسيا ثم الهند بأكثر من مليار طن متري مكافئ لكل منها.
بمعنى أنهما مجتمعين يمثلان نحو 4.2 مليار طن متري مكافئ. فيما توزعت 2.8 مليار طن متري مكافئ على فرنسا وبريطانيا وهولندا وأستراليا والبرازيل وكندا والمكسيك وإيران وأوزباكستان وأفغانستان وزامبيا وإثيوبيا ونيجيريا.
فيما سجلت الدول العربية ودول الخليج أقل نسبة انبعاثات لغاز الميثان على كوكب الأرض. ومع كل هذه الأرقام، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر العام كأكبر ملوث في التاريخ بنهاية 2021 على الرغم من كل التعهدات التي يقدمها البيت الأبيض للعالم لخفض كمية انبعاثاته المسجلة في 2005 بمقدار النصف في عام 2030 فيما يبدو أنه أصبح مستحيلاً في ظل هذه النتائج التي بلغت 6.2% زيادة في متوسط انبعاثات غازات الدفيئة تاريخياً وقفزة عن العام الذي سبقه بمعدل 17%، كما أن التوقعات لا تشير إلى أن السياسة الصناعية والتجارية الأمريكية ستتغير في ظل تحفيز زيادة حفارات النفط الصخري والغاز للعمل.
لقد شهد العالم دلائل مهمة على عدم مسؤولية الدول الكبرى في إدارة انبعاثات الميثان منها حوادث تمت تغطيتها إعلامياً على نطاق واسع كما حدث في أستراليا أكتوبر الماضي عندما رصدت الأقمار الصناعية أكبر سحابة ميثان تغطي أكبر حقول الفحم الحجري بمعدل 76 طن متري من غاز الميثان في الساعة الواحدة، واستمرت لأكثر من شهر بنفس الكثافة أي أن الكمية الفعلية للانبعاثات تجاوزت 55 ألف طن متري وهي تعادل أثر 44 مليون طن متري من غازات ثاني أكسيد الكربون.
كما بعثت شركة غازبروم الروسية أثناء إصلاحها لخط غاز نورد-ستريم2 في أكتوبر كميات ضخمة من غاز الميثان وفي نفس الفترة تقريباً سجلت ولاية تكساس الأمريكية تسرب كميات ضخمة لغازات الميثان بلغ معدلها في الساعة الواحدة مقدار ما تبعثه 2500 سيارة من ثاني أكسيد الكربون في سنة واحدة.
إن توقيع أكثر من 100 دولة على اتفاقية انبعاثات الكربون بعد قمة جلاسكو الماضية لن يقدم حلاً فعلياً ما لم تضطلع الدول الأربعة أمريكا والصين والهند وروسيا بمسؤوليتها لإدارة انبعاثات الميثان قبل أن تفكر أوروبا في تشريع قوانين تجعل من الطاقة النووية صديقة للبيئة وهو الأمر المضحك جداً في هذا العالم الذي يغض النظر بشكل حقيقي عن مشكلات الميثان ويستعيد كوارث الطاقة النووية في مستقبل يدل على أن النفط والغاز هما الأكثر صداقة لتاريخ البشرية.