هناك مظاهر سلوكية داخل المجتمع تدل على أن الوقت غير ذي قيمة فعلية، وهي مترسخة ومتأصلة بشكل كبير، لاعتبارها من التقاليد المتوارثة التي لها عمق ديني وأخلاقي رفيع لدى أغلبية أفراد مجتمعنا مثل الكرم و«الفزعة في الخير»، اللذين لهما حالات مختلفة تأتي في عشوائية مفرطة، ليس بشكل دائم، ولكنها ذات نسبة عالية من الحدوث.

ولعل مسألة الكرم هي الفعل الأبرز والمؤثر، فعلى الرغم من أنه من السجايا النبيلة، فإنه يقع في سلوك معيب من خلال صور، سوف نستعرض صورتين منها، والتي محورها المناسبات الكبيرة والصغيرة.

ففي حالة مناسبة صغيرة، تضم بضعة أشخاص، نجد أن المضيف يكون في درجة عالية من الترقب والقلق المرهق في كل ما يخص هذه المناسبة، خاصة في انتظار الضيوف الذين هم لا يعرفون للوقت قيمة في حياتهم العملية، وبيئتهم الأسرية عنوانها «وسع صدرك.. الدنيا ما طارت»، فيحضرون متأخرين بأعذار، أحيانا مخجلة وواهية.


وفي حالة أخرى، وهي مكملة للأولى، وتكاد تكون طامة كبرى، عندما ينزل الضيف على المضيف في ساعة متأخرة من الليل، فيجتهد المضيف، حسب قدراته واستطاعته، لتوفير وجبة عشاء للضيف، لكن نجد هذا الضيف أحيانا يبحر في السخرية والتندر من هذه الوجبة التي قدمت له، وتكون مثار حديث له في أغلب المجالس واللقاءات العائلية، وأنها وصمة عار لذلك المضيف.

هناك من يعتقد أن هذه السلوك قد بدأ بالانحسار، وهناك بوادر مشجعة تعطى أملا في التغيير نحو إدراك قيمة الوقت، ولكن مع الأسف ما زال الأمر شائعا، فثقافة الاهتمام بالوقت في حالة مزرية، ولعل بعض الأسر لدينا هي المثال الحي على هذا، والتي تورث هذا النمط من السلوك لكل أفراد العائلة المتقاربة، والتي تعيش في فوضى وقتية، ليس في هذا الجانب، بل في جميع شئون حياتها.

وإذا أردنا تعديل هذا السلوك، فيجب أن تكون الأسرة هي المنطلق لتحقيق الهدف، الذي لا يتعلق فقط بالتذكير بالوقت وأهميته، بل بناحية شمولية، تقوم على التعليم، والتدريب على اختيار الوقت المناسب.