اجتمعت أوبك بلس هذا الأسبوع وأقرّت الزيادة المتفق عليها بمقدار 400 ألف برميل يومياً، خلال شهر فبراير القادم، وهو ما كان متوقعاً في ظل إدارة متناغمة ومتميزة لأسواق النفط، تقوم بها مجموعة أوبك بلس، التي تضم 23 دولة من مصدّري النفط، وانتهى العام 2021 وفقاً للتوقعات الأكثر تفاؤلاً، حيث زاد الطلب النفطي بمقدار 5 ملايين برميل يومياً، مقارنة بالعام الذي سبقه ليصل إلى 96.5 مليون برميل يومياً، في طريقه نحو 100 مليون برميل في النصف الثاني من العام الجاري، في ظل حالة الثقة والطمأنينة، التي اكتسبتها اقتصادات العالم من خبرتها في التعامل مع متحورات جائحة كورونا، وصول الكثير من المجتمعات إلى مستوى المناعة المجتمعية، مع توافد الأخبار السارّة بأن متحور «أوميكرون» المنتشر حالياً، هو أقل ضرراً من المتحورات السابقة، وأن الجائحة في طريقها للزوال هذا العام، بحسب منظمة الصحة العالمية قبل أيام.

لقد أثبتت مصادر الطاقة التقليدية موثوقيتها خلال فترة الجائحة في العامين الماضيين، وأكدت أن العالم لا يمكنه أن يتخلى عنها، حتى في أفضل الظروف وفرة لتقنيات الطاقة البديلة. فالبدائل المرتبطة بالعوامل الطبيعية غير المخزنة، ستجعل موثوقيتها تضعف تحت أي طارئ، أو عند الحاجة لبناء إستراتيجية للطاقة.

إن المنطق الذي كان السياسيون الغربيون يتحدثون به خلال العام الماضي، حول مشكلة التغير المناخي وتجريم الوقود الأحفوري، لم ينعكس على أدائهم وأداء اقتصاداتهم الحقيقي في العام الماضي. بل على العكس تماماً، أصبحت الولايات المتحدة أكبر المستوردين للنفط، وأكبر المصدرين للغاز الطبيعي المسال.


إن الاقتصاد الأمريكي يستحيل له أن يتخلى عن موارده الطبيعية الصخرية، التي تنضّخ منها السهوب الأمريكية، في وسط وجنوب وشرق الأراضي الحالمة غرب الأطلسي، ففي ديسمبر الماضي بلغ إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال أكثر من 7.2 ملايين طن، لتتجاوز وتتصدر لأول مرة في تاريخها قائمة الدول المصدّرة للغاز، تأتي هذه القفزة بالتأكيد كنتيجة لزيادة مطردة من خمس سنوات، لتأسيس البنية التحتية وتطوير التقنيات ذات الكلفة المنخفضة في استخراج الغاز الصخري، ليس من السهل أن تتخلى أمريكا عن هذا الجهد، بالإضافة إلى أن الغاز المسال سيمنح أمريكا قوة نفوذ أكبر في أوروبا وآسيا، حيث إن %50 من صادرات الغاز الأمريكية في العام 2021، ذهبت إلى آسيا، و%33 ذهبت إلى أوروبا، وهو ما يفك الخناق عن أوروبا التي تواجه أزمة حقيقية في إمدادات الغاز، بسبب مشكلات سياسية مع روسيا وأخرى فنية، متعلقة بخط غاز الشمال «نورد-ستريم2».

على الجانب الآخر وبحسب «الأسوشيتدبرس» فإن المفوضية الأوروبية قد بدأت المشاورات والتخطيط مع الاتحاد الأوروبي، لتصنيف بعض محطات الطاقة النووية والغاز الطبيعي، كاستثمارات خضراء وهو ما تزعم أنه سيساعد أوروبا في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهذا المقترح في حال تمت الموافقة عليه سيقلب الطاولة رأساً على عقب في وجه علماء البيئة والتغير المناخي، فلا أوروبا وباريس التزمتا بتعهداتهما تجاه المحافظة على تحييد الطاقة التقليدية، والتي تزعم أنها سبب نشر غازات الاحتباس عالمياً، من أجل أن تصطبغ بالأخضر فعلياً، وهو اللون الذي ارتبط تاريخياً بالقارة العجوز، ولا هي أقرّت بحاجتها لتوطين تقنية التقاط الكربون والاستثمار في مفهوم خليط الطاقة، الذي نادت به السعودية ودول أوبك مراراً، وبالتالي إمكانية استخدام الغازات الزرقاء منزوعة الكربون، حيث إن اللون الأزرق يليق بأوروبا ذات الأوجه والألوان المتعددة، وهو ما أدرك الأمريكيون أنه مستحيل الحل، فغضّت الطرف عن الاستثمارات في الطاقة التقليدية، النفط والغاز محلياً داخل الولايات المتحدة، وقامت بتقييده خارج حدود الولايات المتحدة، من خلال رفع الدعم عنه فقط وتمديد التصاريح للشركات الأمريكية العاملة خارج الحدود.

ما يهمنا ليست هذه المراوغة والتلوّن الغربي، بين السواد والخضرة والزرقة، بل كيف يتحول «أمن وسلامة الطاقة» إلى صيغة معترف بها، من أجل مصلحة كل إنسان على سطح هذا الكوكب، ومن أجل بهجة وجوده، وليس من أجل استخدامات اتضّحت لأبسط الناس في تلك الدول الغربية، وهي مغامرات سياسية يسارية هدفها تحجيم قوة النفط والفحم الحجري عالمياً، لاحتواء الصين وروسيا، ولات يوم مغنم!