جاء الخطاب الملكي السنوي الكريم لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- بمضامينه وتوجيهاته السديدة، في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، تعزيزًا لمبدأ الشوري الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية، حيث يتطلع الجميع في المجلس ومختلف مؤسسات الدولة بكل اعتزاز لهذه المناسبة السنوية الغالية، حيث يتناول الخطاب الملكي السنوي، التركيز على الموضوعات والقضايا المرتبطة بالسياسية الداخلية والخارجية للمملكة، ولذا يُعد الخطاب الملكي السنوي أساسًا راسخًا ومنطلقًا مضيئًا، وخارطة طريق لأعمال ولجان مجلس الشورى، وتفعيل أدواره التنظيمية والرقابية وفقا لما نص عليه نظام المجلس.

ولقد شهد مجلس الشورى تطورًا واضحًا في مسيرة عطائه للوطن والمواطن الممتدة لسبعة وتسعين عامًا منذ عهد المؤسس المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، إلى هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- والذي أولى المجلس دعمه لتعزيز المجلس لأدواره التشريعية والرقابية، ومناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها، ودراسة الأنظمة واللوائح، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها، وتفسير الأنظمة، ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه المجلس حيالها، وإصدار العديد من القرارات التي تعزز من الدور المناط بهذه الجهات لخدمة الوطن والمواطن والمقيم.

لذا يحظى الخطاب الملكي السنوي بالاهتمام المحلي؛ لكونه أحد أهم المناسبات الوطنية، لأهمية مضامينه وانعكاساته على مستقبل البلاد، كما يحظى في ذات الوقت بالاهتمام الإقليمي والعالمي؛ نظرا للمكانة البارزة والثقل الدولي للمملكة، بصفتها إحدى الدول الكبرى المؤثرة على مستوى دول العالم، من خلال رئاسة المملكة من خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين للعام الماضي ، وثقلها الدولي مع المجموعات الدولية وتأثيرها في المجال الاقتصادي والمالي العالمي.


تضمن الخطاب الملكي السنوي لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- التأكيد على أهمية الإستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 11 من أكتوبر الماضي، والتي ستشكل أحد الروافد المهمة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وبدء المرحلة الثانية من رؤية المملكة 2030، بما يدفع عجلة الإنجاز، ويواصل الإصلاحات، لازدهار الوطن، وضمان مستقبل أبنائه.

كما تطرق الخطاب الملكي الضافي الكريم إلى أن المملكة -بفضل الله- حققت المرتبة الأولى عالميا في عدد من المؤشرات الأمنية، مقارنة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ودول مجموعة العشريـن كافة، وجاءت الثانية عالميا في المؤشر العالمي للأمن السيبراني، مع التأكيد على أهمية الأنظمة الأربعة الجديدة التي سبق وأن أعلن عنهما سمو ولي العهد -حفظه الله-، حيث سيسهم نظام الأحوال الشخصية، ونظام المعاملات المدنية، والنظـام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات، في رفع مستوى نزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية، وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، مع استمرار العمل على مراجعة الأنظمة وتطويرها.

واشتمل الخطاب الملكي السنوي لخادم الحرمين الشريفين على تفاصيل العديد من المشاريع ذات الرؤية المستقبلية، وإطلاق سمو ولي العهد لتلك المشاريع النوعية ذات الأثر الإيجابي الاقتصادي؛ مما سيوفر فرص العمل، ويحقق عوائد ضخمة للناتج المحلي.

وفي شأن تعامل المملكة مع الجائحة، أكد الخطاب الملكي السنوي تحت قبة المجلس أن معالجة المملكة وتعاملها مع الجائحة لم تقتصر على الوضع الاقتصادي فحسب، وإنما شمل أيضًا تعاملها النموذجي مع حركة الحجاج والمعتمرين، من خلال الاطمئنان على فعاليّة اللقاحات وكفاءة الإجراءات لسلامتهم، ومن أجل ذلك سارعت المملكة ـوفقا لخطاب خادم الحرمين الشريفين- إلى رفع الطاقة التشغيلية للحرم المكي، ما مكن 17.5 مليون مسلم من أداء العمرة خلال شهر رمضان فقط، ونجاح موسمي حج عامي 1441 و1442هـ، في مؤشر واضح على قدرة المملكة على إدارة الأزمات وكفاءة البنية التحتية الرقمية التي مكنتها من إدارة الحشود بيسر وأمان يضمن سلامتهم.

كما تضمن الخطاب الملكي السنوي لخادم الحرمين الشريفين التأكيد على سياسية المملكة تجاه استقرار السـوق البترولية وتوازنها، حيث يعد ذلك من ركائز إستراتيجيتها للطاقة، لإيمانها بأن البترول عنصر مهـم لدعم نمو الاقتصاد العالمي، وهي حريصة على استمرار العمل باتفاق «أوبك بلس»، لدوره الجوهري في استقرار أسواق البترول، كما أنها تؤكد أهمية التزام جميع الدول المشاركة بالاتفاق، والتزام المملكة بمواجهة التحديات المتزايدة للتغير المناخي، والعمل على تعزيز تطبيق اتفاقية باريس، ودعم مبادرتي (السعودية الخضراء) و(الشرق الأوسط الأخضر)، يؤكد ريادتها وقيادتها العالمية لجهود حماية البيئة، وتخفيض انبعاثات الكربون، وتعزيز الصحة العامة وجودة الحياة، وتحسين كفاءة إنتاج النفط، ورفع معدلات الطاقة المتجددة، وتحقيق التنمية المستدامة. مع الإشادة بنجاح المملكة في ترؤس قمة العشرين، والعمل على تفعيل بيان قمة الرياض، كما ركزت في برنامج رئاستها مجموعة العشرين 2020 على التصدي لجائحة كورونا، وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، وما بذلته المملكة من الجهود الكبيرة في دفع دول مجموعة العشرين إلى دعـم الدول الأقل نموا في القارة الأفريقية، وتعزيز نظامها الصحي، انطلاقا من مكانة المملكة العالمية والعربية والإسلامية، ولأدوارها المحورية في السياسة الدولية والتزامها بالمواثيق، ومواقفها الراسخة نحو السلام.

كما تضمن الخطاب الملكي السنوي لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- الشكر للمواطنين والمقيمين والعاملين في مواجهة جائحة كورونـا، وللجنود البواسل في جميع القطاعات.

ختاما.. ندعو الله تعالى بأن يديم على بلادنا الغالية أمنها واستقرارها وعزها ونماءها ورخاءها، وأن يعين ويوفق المجلس لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة وطموحات الوطن والمواطن، والمساهمة في دعم منظومة المبادرات المواكبة لرؤية المملكة 2030.. سائلين الله تعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.. وأن يمتعهما بالصحة والعافية.. إنه سميع مجيب.