كانت الثورة الإيرانية وحربها مع العراق المسبب الرئيس لقيام مجلس التعاون الخليجي, وقد أدى دوره التعاوني في أكثر من أزمة، وخلق أرضية مناسبة لدعوة خادم الحرمين الشريفين إلى تحويله إلى اتحاد، بعد أن استشرف حفظه الله برؤية القائد الذي يعي أبعاد الجمود وآثاره على الأمم أن الثابت هو مصلحة الأمة، والمتغير هو الزمن والسياسة, وأن مثل هذا الاتحاد هو النقلة النوعية في تاريخ الخليج العربي، التي ستوفر الاستجابة لما استجد من المتغيرات التي بدأت بوادرها في مملكة البحرين داخليا، وبانت نواياها في الجزر الإماراتية والتسلح النووي الإيراني خارجيا.
وإذا كانت الحقائق التي تناولها الكتَّاب في التجانس الخليجي ووحدة الأرض والمصير واللغة والدين والعادات والتقاليد، أو ما سماه بعضهم (تكافؤ النسب الخليجي) واضحة لا تحتاج لشرح أو إقناع، وأهمية مثل هذا الاتحاد لا تحتاج إلى تحليل إستراتيجي، ففرص مثل هذا الاتحاد جلية من ثقل سياسي بديل للتحالفات الأخرى، ومن تعزيز للقدرة التفاوضية دوليا، بالإضافة لأهميته للأمن الجماعي وتوحيد استراتيجية التسلح والدفاع المشترك، وتكوين أكبر تكتل اقتصادي وتنويع لمصادر الدخل، وتوفير فرص عمل لشباب الخليج وتنمية متوازنة لدوله.
إلا أن هناك مهددات داخلية لهذا الاتحاد لا تخفى على المتابع لوجهات النظر الخليجية المتباينة، تتركز في ثلاثة عوامل رئيسة هي: سيادة الدول, والخوف من فقدان الهوية الوطنية، وتباين الدخل بين دول المجلس. وعلى الرغم من أن هذه المهددات لا تقارن بالمهددات الخارجية التي تتعلق بالأمن والبقاء، فإنها ستبقى هي الأصعب تطبيقيا, وهي التي تحتاج إلى دراسة استراتيجية معمقة، وخارطة طريق واضحة، وآلية تطبيق سلسة. ولذلك فإن وجود (مجلس شورى خليجي) من وجهة نظر شخصية هو النواة الأساسية لمثل هذا الاتحاد، وهو المعني بدراسة هذا التباين، وهو الوعاء المناسب لمشاركة المواطن الخليجي في تشريع أنظمة ومواثيق اتحاده، وهو الوسيلة المثلى للتغلب على المعوقات والمهددات الداخلية للاتحاد.