" العلية "بضم الأول، وفتح الثاني، وتحريك الياء بالفتح مشددة تصغير علية – بفتح العين، مؤنث على الاسم المعروف.

.. أكبر هضبة في جبل اليمامة وأمنعها وأكثرها أودية وأشدها ارتفاعا.. اتخذها لصوص المنطقة منذ العهد الجاهلي معتصما، وعولوا عليها ملجأ، ووجدوا في مغاراتها ومخابئها مستراحا ومعقلا، درجوا على هذا وتواطؤوا عليه حتى زمن قريب قبـل أن يضرب الأمن بجرانه، وتستأصل شأفة البغي على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، وحتى في زمن الملك عبدالعزيز كانت مأمن اللصوص، وهناك نماذج أدركناها كانت شغل السلطات الشاغل، وما قصة الدويخ القحطاني عنا ببعيـد.

فلقد أعجز الأمن حتى جاء مستسلما في قصة يطول ذكرها.


لقد كان (جحدر) لص اليمامة الكبير شغل (الحجاج) الشاغل في عهد بني أمية، وكانت (علية) تجثه وتؤمنه من سطوة (الحجاج) رغم جبروته وفظاظته.

وكأنما هذه الهضبة تسخر من جند الحجاج وأعوانه حينما يهمون بالبحث عن جحدر وإخوته اللصوص في أكنافها، ولما أعجزتهم القوة لجأوا إلى الحيلة فأغروا بعض اللصوص حينما قبضوا عليهم في غير علية إن هم أتوا بجحدر من علية لتأمين معيشتهم مدى الحياة، فجاسوا خلالها لصوصا، والتقوا بجحدر زملاء، ولما وجدوا منه غرة قيدوه وساقوه إلى الحجاج في قصة طويلة، وهذا ما أشرت إليه في قصيدة لي عن جبل اليمامة:

إذ كنت لا تحسني لحى قمة

وتصير إلا أن ترى متطاولا

ويؤمك البـاغون إخوة جحدر

يجدون في تلك الهضاب معاقلا.

هذه هي علية تكوين عظيم فارغ ممتنع، وهي وإن كانت داخـل سلسلة جبل طويق إلا أنها مفصولة عنه من جهاتها الأربع بفجاج تجعلها تتربع وحدها وتشرف على ما حولها متعالية متأبية ساخرة، فهي تشرف على سهول الخرج الغربية، وترى هـذه الهضبة منها كأنها عارض بملء الأفق، وتشرف على وادي نساح من الجنوب، وتشرف على وادي نعام والحريق وأسفل الحوطة من الشمال، وتشرف على أودية الحفير ومرقان والمجهولة غربا، ويلاحظ أن وادي نساح يأخذ وادي الحفير منه غربي علية فيعتبر جزءا مما سال من علية مغربا يعتبر من وادي الحفير، وما عدا ذلك يسبل على أودية الحريق الغربية.

وأكثر سيولها وأكبر أوديتها تسيل مشرقة على ما عليه تكوين جبـل اليمامة، قمته من الناحية الغربية ويأخذ في الانحدار التدريجي نحو الشرق حتى يلامس السهول الشرقية، وهكذا الشأن في جبل علية.

قف يا أيها السائح أو يا أيها المواطن الذي تجهـل كثيرا من حقائق وطنك وطبيعته العجيبة، قف فوق هذا الجبيل واتجه ببصرك غربا وجنوبا، وانظر وأنعم النظر وصوب بصرك وصعده وصف ما ترى إن استطعت الوصف وما أخالك مستطيعا.

وإذا استقر بصرك بعد أن تجيله في هذه المناظر فدعه يقف عند هضبة جرداء شماء فارغة، لونها أحمر بميل إلى الكمنة هذه تسمى الشظيا ،قف متأملا، وقل شعرا وإن لم تستطع فقله هاذيا على طريقة خوارج الشعر.

وهذا الجبيل الذي تشاهد منه هذه المناظر يدعى قرا شنة، أما القرا فمعروف وهو ظهر الشيء وقمته، وأما شنة التي يضاف إليها هذا القرا فلا أعلم ما هي.

ولعلها من مبصرات اليمامة اللاتي يضرب المثـل بحـدة من أبصارهن، فهي سوف ترى من فوق هذا ما يعجب ويطرب، وسوف ينداح أمامها المنظر حتى يرجع إليها طرفها خاسئا وهو حسير.

وفي شعاف جبال علية ومساقط تلالها ومنحدراتها الشاهقة قلات عميقة واسعة، تستوعب كميات كبيرة من المياه، وتظل تختزنها لمدد كثيرة، وقفت على بعضها، ورأيت زرقة مائها بعد أشهر من مكثه في هذه القلات، ورأيت ممرات الجبال على حافاتها الصخرية قد سطت بها.

هذه القلات تردها البادية لسقيا نعمها وغنمها ودوابها، وتستعذب ماءها لأنفسها أعرف من هذه القلات في علية الآتى: أم لصفة، وأم شقم والمسيل، هذه الثلاث في شعب كحلة، والأخيرة منها يفرغونها بوساطة منحدر عال جدًا لتتلقفه الماشية تحته وتشرب هنالك. وهناك مع العوجا، وظلما، وأم بطيحا، وهذه الثلاث في شعب كحيل، أما العقدانية نقلاتها نغية، ومغبة، والركية، ومحقن، وأم ثعبة.. أما قلات الزلق في ماوان فها: ابنتا مظللة السفلى والعليا، وقلات دندن وقلات الدلاء هي الصحاف.

1977*

* شاعر وصحافي ومؤرخ سعودي «1919-2011»