وسط ضجيج تجاذبات وتحديات أسواق الطاقة حالياً، أعلنت السعودية عن ميزانيتها العام المقبل، بفائض يحدث لأول مرة منذ ثماني سنوات بقيمة 90 مليار دولار، سيتم رصده لتعزيز قوة الصندوق السيادي للمملكة والمركز المالي، والاستعداد لأي طارئ قد ينتج نتيجة تحوّرات جائحة كورونا –لا سمح الله-. كما أنه من المقدّر أن ترتفع الإيرات للعام المقبل بأكثر من 100 مليار ريال، بعد اكتمال تطعيم معظم المواطنين وتجاوز أزمة كوفيد، التي أرهقت كاهل الاقتصاد العالمي. وبهذا الإعلان تكون السعودية قد سجّلت نمواً في اقتصادها في 2021 ضمن دول قليلة على مستوى العالم.

وبين تلك التحديات أعلنت وزيرة الطاقة الأمريكية، أن الرئيس بايدن ألغى فكرة حظر تصدير النفط الأمريكي، وأن الولايات المتحدة ستعود لتتعاون مع صنّاع النفط في العالم، يأتي هذا الإعلان بعد شهرين من تصريح الوزيرة بأن ارتفاع أسعار الجازولين جاء نتيجة تحكّم أوبك بلص بأسواق النفط العالمية، حيث تقود السعودية مجموعة أوبك بلص.

يبدو أن التغير في التوجه الأمريكي الآن جاء بعد الضغوطات الاقتصادية الداخلية، وأيضاً احتجاج الكثيرين من أعضاء الكونجرس وخصوصاً الجمهوريين منهم على سياسات بايدن تجاه شيطنة النفط ومنتجاته.


حالياً، وبعد استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تراجع شعبية الرئيس الأمريكي، في أوساط الناخبين الأمريكيين، تحاول إدارة بايدن الإمساك بالعصا من المنتصف من أجل موازنة مصلحة الشركات الأمريكية المنتجة للوقود الأحفوري النفطي والحجري، وبين تأكيد التزام أمريكا ودول مجموعة السبع، بمواجهة ظاهرة التغير المناخي، كان آخره إعلانها عن وقف دعم الحكومة للاستثمارات الأمريكية في الوقود التقليدي خارج الحدود، على ألا يتم منع الشركات الأمريكية من الاستثمارات إذا كانت لديها الحاجة في ذلك. وهذا يدل في الحقيقة على أن اقتصاد السوق الأمريكي لن يتخلى بسهولة عن الانفتاح، وترك السبيل أمام الأموال الصينية لتبسط نفوذها على استثمارات النفط في كل العالم، بعد أن تنسحب أمريكا بهدوء.

لا أعتقد أن الساسة الأمريكيين ينقصهم الذكاء أبداً، ولكن من الواضح أن الاقتصاد النفطي أصبح أوراقاً للمناورات السياسية لدى الأوروبيين والأمريكيين، بعكس الواقع الذي يشير إلى أهمية الوقود الأحفوري كالنفط والغاز والفحم الحجري، في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وأيضاً استيعاب النمو السكاني المتوقع في العالم، بحلول 2050 بما يتجاوز 9 مليارات نسمة، معظمها في الصين والهند والشرق الأوسط.

الطريقة الغربية الحالية بشأن التحول عن الطاقة التقليدية إلى المتجددة، تستند إلى وجهة نظر بعيدة عن الواقع، وهي أن مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، ستكون لها القدرة على النمو بسرعة تتوازى مع سرعة النمو السكاني المتوقع للعالم، وأن البدائل النظيفة ستكون مجدية اقتصادياً أكثر من الوقود النفطي والتقليدي، خصوصاً لتلك الدول الفقيرة أو التي تواجه اكتظاظا سكانيا كبيرا في مدنها، كالهند والصين والبرازيل. وعليه لن تجدي مبادرة الرئيس بايدن «إعادة بناء عالم أفضل B3W» التي أطلقها الصيف الماضي نفعاً، في سبيل تحويل العالم نحو الاعتماد الكلي على الطاقة المتجددة.

ما تقوم به أمريكا في الحقيقة هو محاولة إنقاذ اقتصادات أوروبا من التدهور، باستخدام مشكلة التغير المناخي، وكلما طرقت باباً بالترويج لخطر التغير المناخي، إذا بالحلول المناخية تتوافد تباعاً، في حين تعجز عن صرف النظر عن النفط والفحم الحجري. والدليل على ذلك هو هرولة الدول الأوروبية إلى بناء مفاعلات نووية منتجة للطاقة، بعد أن أُرهق العالم من التحذير من مشكلة النفايات النووية، وآثارها الأكثر سوءا من انبعاثات الفحم والميثان.

وبين هذا وذاك، تستفيد دول كثيرة من حالة التردد الأمريكية، في بناء اقتصادات أكثر استدامة وتوسيع نفوذها، وأهم تلك الدول هي خصوم أمريكا. لذلك فإن نصيحتي للحلفاء الأمريكيين، أن يتخلّوا عن ورقة أوروبا، وأن يسعوا جاهدين لإعادة تقوية أمريكا اقتصادياً من خلال خليط الطاقة، وتوسيع الدعم الأمريكي للأبحاث مع الدول الحليفة في مجال الوقود النظيف، والاستفادة من المميزات الطبيعية خصوصاً لدى الدول ذات البنية التحتية القوية وأهمها بلا شك السعودية. وإلا سيكون قد فات الأوان على أصدقائنا بنهاية العقد، في مشهد يضع الاقتصاد الأمريكي في أي مركز غير المركز الأول، عندها سيضطر الأمريكيون لطلب أوبك بلص بضخ المزيد والمزيد من النفط.