وهذا ما حدث بالفعل على الجبهة البرية، شحذ اليمنيون هممهم واستنهضوا أرواحهم في مواجهة الحوثي، الذي هو بالنسبة إليهم ليس مواطناً يمنياً، بل هو غاز ومحتل، لأنه ببساطة يلبس لبوسه ويتزيا بزيه، فمشروع الحوثيين أصلاً هو مشروع عقائدي هجين بالنسبة لليمنيين، فالزيدية غير الإثنى عشرية، بل تتناقض معها جذرياً في الأصول والمبادئ.
لذا كان المشروع الحوثي مشروعاً محكوماً بالفشل منذ البداية، وكان نجاحه المؤقت تسللاً من خلال شقوق وثغرات الخلافات السياسية التي تتنازع الساحة اليمنية والموروثة أصلاً من عهد صالح وما قبل صالح، خاصة النزعة الاستقلالية لدى الجنوبيين التي لعبت عليها الإمارات دون أن تدرك أنها بذلك قد تكسب المعركة ولكنها ستخسر الحرب لا محالة. ولذلك فقد أعادت جبهة مأرب الأمور إلى نصابها، لأنها أيقظت الوعي الوطني اليمني، لأنهم أدركوا أنهم لو خسروا مأرب للحوثيين، فهذا يعني خسارتهم لليمن كلها، وأنهم لن يكونوا إلا عبيداً أو أشباه عبيد لدى الحوثيين في أحسن الأحوال.
حين جعلت إيران اليمن هدفاً عقائدياً، لم تقرأ التاريخ جيداً، فحين سقطت الإمامية على يدي جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماصي كان ذلك مشروعاً نهضوياً قومياً لقي هوى في نفوس اليمنيين، لأنه ببساطة يعني التحرر من عبودية الفرد والتخلف الإمامي، وهذا ما حصل بالفعل.
فكيف سيقبلون بالعودة إلى الحظيرة الإمامية العقائدية بعد أن أدمنوا الحرية واستساغوا مذاقها. ولم تدرك إيران بعماها الطائفي أن التدين لا يطفئ الشعور القومي والانتماء الوطني، فتعاملت مع الحد الواحد وراهنت عليه، معتمدة على أن التدخل السعودي سيصم المقاومة اليمنية بالعمالة وممالأة العدو الإسرائيلي، هذه القراءة الخاطئة قادت الحوثيين إلى سلسلة من التصورات الخاطئة حول طبيعة المعركة حتى سقطت أخيراً في هوة مأرب التي أظنها لن تخرج منها.. بل ستكتب نهايتها هناك.