توالت الأمم بحضاراتها عبر التاريخ، ابتدًا بأول حضارة بشرية على وجه الأرض، وهي حضارة بابل في أرض العراق، وعلى مر هذه القرون كل أمة تفخر بما لديها من حضارة حتى أتت أمة العرب الرسالة المهداة، وبُعث فيهم نبي للعالمين معه قرآن يتلى إلى يوم الميعاد.

قامت الحضارة العربية وازدهرت وتوسعت حتى وصلت لحدود الصين شرقًا، وإلى الأندلس غربًا وتوغلت في شمال أوروبا وبلاد البلقان شمالاً، فعٌرّبت أوطانا وأصبحت اللغة العربية التي كانت مقتصرة على الجزيرة العربية والعراق وأطراف الشام أصبحت هي اللغة المتدوالة في بلدان شمال أفريقيا ذات الأصول الأمازيغية، وأصبح للعرب دولة كبرى ودين قويم خال من الشوائب والضلال. امتد تاريخ حضارتنا العربية الإسلامية من عصر النبوة ألف وثلاثمائة عام، وهي تزخر بأمجاد وازدهار وشموخ وعزة، حتى أتت أظلم العصور على هذه الأمة، وهو ما يسمى بالاستعمار، وبالتحديد عام 1916، عندما قطع فرانسوا بيكو الفرنسي، ومارك سايكس البريطاني جسد الأمة الكبير إلى أقفاص سميت باتفاقية سايكس بيكو، انتهت بذلك حقبة الأمة العظيمة التي تحولت إلى أشلاء، تحكمها بريطانيا وفرنسا. ومن ثم انتهى الاستعمار مخلفًا وراءه أفكارا غربية كالقومية والماركسية الاشتراكية والبعثية، واضعًا الأمة في عصر أكثر ظلمة من الاستعمار نفسه، وصدقت الشعوب العربية هذه الكذبة فأصبحوا أحزابًا كل حزب بما لديهم فرحون، وأضاعوا دينهم، وأصبح دينهم الحزب وقوانينه.

ومع مر السنين نسوا تاريخهم العريق وحضارتهم التي عرفها عدوهم أكثر من منهم، فأصبحوا مهزومين حضاريًا في عاداتهم وتقاليدهم، بل حتى في أعيادهم المخالفة لدينهم القويم، يحتفلون بالكريسماس وهو احتفال بـ(عيد الرب) عند أحد مذاهبهم، واحتفال بعيد ميلاد (ابن الرب) عند مذهبهم الآخر، وكلاهما مخالف لما أتى به القرآن الكريم، وأصبح الكثير من العرب والمسلمين يحتفلون بعيد الكريسماس أكثر من أن يحتفلوا بعيدهم الذي شرعه لهم الله في كتابه، واهتموا بتعلم اللغة الإنجليزية ولم يصدروا اللغة العربية للعالم، مجدّنا رموزهم وعلماءهم وتجاهلنا رموزنا وعلماءنا. نرى أبناءنا، بل حتى مثقفينا، يضعون صور قادتهم الثوريين أو كتّابهم أو فنانيهم أو فلاسفتهم، ولا نرى من يضع صور القادة والفلاسفة العرب والمسلمين، لم نعلم أو ندرس الجيل الجديد ونثقفهم ليعلموا أن في عصور ظلامهم قدنا العالم في العلم والطب والفيزياء وفي الجيوش الحربية. لم نعلمهم عدل وقوة وتاريخ الخلفاء الراشدين، ونعلمهم دهاء خالد بن الوليد الذي أذل وأسقط أعظم قوتين على الأرض.. فارس والروم في معارك حقيقية ليست من صنع هوليوود، يجب أن يتعلم الجيل الجديد من هو عمر المختار الذي قاد الحروب ضد الطائرات والدبابات وهو على صهوة جواده، بدلاً من أن نعلمهم ماذا فعل ويليام والاس في حروبه، يجب أن يعلموا ماذا فعل صلاح الدين الأيوبي وهزيمته للجيوش الصليبية مجتمعة، بدلاً من تمجيد لص كروبن هود، يجب أن نعلمهم من هو ابن سيناء وابن حيان، بدلاً من وضع صور أينشتاين على مكاتبنا وهواتفنا المحمولة.


لا يحزنني أن نكون أمة مغلوبة أكثر من حزني أن نمجد الغالب، فلم أر أمة عبر التاريخ تمجد غالبها، وتحيي تاريخه وثقافته وتبجله، كما فعلنا نحن العرب والمسلمين..

هنيئًا للسير مارك سايكس.. هنيئًا سيد فرانسوا بيكو اتفاقيتكم مازالت رغم قرن سارية المفعول، فأمة العرب الآن مشغولون في احتفال الكريسماس المجيد.