فـ«عمل الأمير» ليس له علاقة بنصائح نيكولا ميكافيلي للأمير لورنزو ميديشي (1513)، وإنما هو مصطلح لإحدى نظريات القانون الإداري التي تتعلق بــ«إعادة التوازن المالي» للعقود الحكومية في حال انقلبت «اقتصادات العقد». فنظرية «عمل الأمير»، كما عرفتها المحكمة الإدارية في أحد أحكامها، هي: «كل عمل يصدر من سلطة عامة لا يوصم بالخطأ، يترتب عليه ضرر يلحق المتعاقد مع جهة الإدارة، والتزام جهة الإدارة بتعويض المتضرر، سواء كان ذلك العمل قرارا خاصا أو قواعد تنظيمية عامة». فهيئة التدقيق، التي حلت محلها محاكم الاستئناف الإدارية، بعد صدور المرسوم الملكي رقم «78/م» بتاريخ 19/9/1427 (1/10/2007)، تنبهت إلى ذلك، حيث إن زيادة أسعار الديزل تعتبر عملا قد صدر من السلطة العامة للدولة، التي تعتبر المنشأة الحكومية جزءا منها. كما أن قرار الزيادة في السعر لا يمكن اعتباره خطأً صدر من الجهة الحكومية محل العقد، لأن القرار جاء من السلطة التشريعية بهدف تحقيق المصلحة العامة، إلا أن ذلك لم يكن متوقعا. فكما ذكرت عدالة المحكمة في أسباب الحكم الابتدائي «إن مثل هذه القرارات ليس بالإمكان توقعها قبل صدورها، وليس بالإمكان دفعها بعد صدورها». وعلى الرغم من أن الزيادة في سعر الديزل لم تخل بالتوازن المالي للعقد، فإن عدالة المحكمة أخذت في عين الاعتبار الربح الفائت، حيث ذكرت المحكمة أنه بالنظر في مقدار الخسارة، فإنه «لا يصح نسبة الخسارة إلى قيمة العقد، وإنما للربح الذي يسعى المقاول للحصول عليه، وخسارة مبلغ يقارب الستمئة ألف ريال يعتبر ضررا يجب جبره بالتعويض». بناء على ذلك، قضت المحكمة بأن تتحمل الجهة الحكومية كل الخسارة التي تكبدتها الشركة جراء الزيادة في سعر الديزل.
هنا نجد أنه على الرغم من أن المحكمة الادارية سببت الحكم بناء على نظرية «الظروف الطارئة»، وأيدت هيئة التدقيق الحكم مع ملاحظة أن التكييف القانوني للقضية يندرج تحت نظرية «عمل الأمير»، فإن النتيجة واحدة، وهي تعويض الشركة عن جميع المبالغ التي تطالب بها. فـ«الظروف الطارئة» هي كما جاءت في الفقرة «1» من القرار رقم «7» للمجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الخامسة المنعقدة بمكة المكرمة في 8 ربيع الآخر 1402 (3/2/1982)، الذي نص على أنه «في العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات) إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلا غَيَّرَ الأوضاع والتكاليف والأسعار تغييرا كبيرا بأسباب طارئة عامة، لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصير أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحالة عند التنازع، وبناء على الطلب، تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين. كما يجوز له أن يفسخ العقد، فيما لم يتم تنفيذه منه، إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له، صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانبا معقولا من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد». فعلى الرغم من أن الكثير من أحكام المحكمة الإدارية تبنت هذا القرار في أحكامها المتعلقة بـ«الظروف الطارئة»، فإن ذلك لا يمكن حصره فقط على العقود التي تكون السلطة العامة طرفا بها، فقد يمتد هذا التعريف ليشمل العقود التجارية، وغيرها من العقود التي لا تكون الدولة طرفا بها. كما أن نظرية «الظروف الطارئة» لا تستوجب تعويض الجهة المتضررة عن كامل مبلغ الخسارة في كل الأحوال.
ففي «قضية الديزل»، نجد أن عقد التشغيل والصيانة والنظافة من العقود المتراخية، بمعنى: هناك فترة زمنية تفصل بين تاريخ إبرام العقد وتنفيذه. كما أن ارتفاع السعر يعتبر من الحوادث غير المتوقعة مثل الحروب، والزلازل، وجائحة «كوفيد19»، وغيرها من الأحداث العامة، وهذا ما استندت عليه عدالة المحكمة في حكمها، إذ ذكرت أن قرار زيادة سعر الديزل لم يكن متوقعا. كما أنه لا يمكن دفعه بعد صدوره، فخلصت إلى أن ذلك من «الظروف الطارئة»، وقد يكون ذلك صحيحا، إلا أن نظرية «عمل الأمير» جعلت من شروط تطبيقها أن يكون من أسباب اختلال التوازن المالي للعقد عمل صدر من الجهة الحكومية محل العقد، مما يترتب على ذلك تعويض الجهة المتضررة بكامل الخسائر التي تكبدتها، لأن ذلك يعتبر عقدا إضافيا على العقد الأصلي. فالحكم بـ«عمل الأمير» يستوجب التعويض الكامل عن التكاليف الناجمة عن أي إجراء اتخذته السلطة العامة في أثناء سريان تنفيذ العقد.