خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في 6 ديسمبر 1941، قدَّمت لجنة مكلفة بمراقبة الإذاعات الأجنبية في الاستخبارات الأميركية أول تقرير لها فيما يتعلق بميول أجهزة الإعلام اليابانية. وقال التقرير يومها إن محطات الإذاعة اليابانية زادت بشكل ملحوظ من انتقاداتها للولايات المتحدة وتخلت عن الدعوة إلى السلام. في اليوم التالي لذلك التقرير، هاجم اليابانيون ميناء "بيرل هاربر" الشهير. وبالطبع فإنه لم يكن ممكنا لأي قدر من الرقابة الإعلامية أن تكشف مكان وزمان الهجوم، لكن لو كان هناك مؤشر إلى احتمال وقوع هجوم، لما وقعت القوات الأميركية ضحية المفاجأة. الآن، وبعد مرور 70 سنة على الحادثة، يقول أحد علماء الكومبيوتر إن نسخة متطورة من الرقابة الإعلامية قد تتمكن قريبا من توقع الثورات الاجتماعية والصراعات بدرجة عالية من الدقة.
وقد نشرت مجلة "فيرست مونداي" الأميركية في سبتمبر المنصرم بحثا أعده عالم الكومبيوتر كالي ليتارو، من جامعة إليونيز، قال فيه إن التحليل الحسابي لأرشيفات النصوص الكبيرة يمكن أن ينتج رؤى جديدة حول توجهات المجتمع. وقد استخدم ليتارو عدة قواعد بيانات ضخمة خلال الـ30 سنة الماضية لإيجاد قاعدة بيانات تحوي 100 مليون خبر صحفي يصل إلى تاريخ 1979. بعد ذلك أدخل هذه البيانات إلى كمبيوتر "نوتيلوس" في جامعة تينيسي، والذي يُعتبر أحد أقوى أجهزة الكمبيوتر في العالم، وبدأ يبحث عن أنماط برامج معروفة بقدرتها على "التنقيب عن المشاعر" لقياس نبرة التغطية الإعلامية. هذه البرامج يمكن أن تمسح المقالات الإخبارية بحثا عن كلمات إيجابية وسلبية ويمكن أن تميز حدة المشاعر من خلال تحليل كلمات مثل "كراهية" و"نفور" على سبيل المثال. هذه البرامج لا تستطيع أن تقيس الفوارق البسيطة ويمكن خداعها بالسخرية مثلا، لكن حجم البيانات التي استخدمها ليتارو كانت كافية لتعطي مؤشرا جيدا حول الميول الإعلامية العالمية حول قضية محددة.
في حالة مصر على سبيل المثال، لاحظ ليتارو أن نبرة التغطية الإعلامية في بداية هذا العام كانت الأكثر سلبية منذ 20 عاما. وبشكل خاص، هبطت النبرة بشكل حاد نحو السلبية في الأسبوع الأول من عام 2011، بعد الهجوم على كنيسة قبطية في الإسكندرية. وكان هذا قبل أسابيع فقط من بداية الاحتجاجات التي أطاحت في النهاية بحُكم الرئيس حسني مبارك. ويقول ليتارو إنه خلال هذه الفترة، كان إجمالي الناتج المحلي المصري يرتفع. لكن الشعب المصري كان قد فقد ثقة الشعب في قدرته على توفير الأمن وأن تحول المزاج العام أشار إلى خسارة الشرعية على النطاق الشعبي. ويعتقد ليتارو أنه لو كانت الإدارة الأميركية تمتلك برامج إلكترونية لتحليل الرقابة الإعلامية، كالبرامج التي يسعى إلى تطويرها، لكان بإمكان الإدارة الأميركية أن تدرك أن هناك ثورة شعبية قادمة في مصر، ولما اتخذ الرئيس أوباما ذلك الموقف الحذر حيال الاضطرابات في مصر، لأنه كان يعتقد أن الرئيس مبارك سيستمر في الحُكم.
ويرى ليتارو أن هذا النوع من التحليل يمكن أن تكون له تطبيقات ليس في مجال الزمان فقط، ولكن في مجال المكان أيضا. تحليله للتغطية الإعلامية حول أسامة بن لادن من أواخر تسعينات القرن الماضي حتى مايو الماضي أظهرت أن نحو 49% من المقالات حوله تضمنت إشارة إلى مدينة في باكستان. ويستنتج ليتارو أن محتوى الأخبار العالمية كان يمكن أن يحدد منطقة في شمال باكستان بنصف قطر 200 كيلو متر حول إسلام أباد وبيشاور على أنها المكان الأكثر احتمالا لوجوده.
ورغم أن أبحاث ليتارو لم تكتمل بعد، إلا أنها تبشر بأنه خلال فترة ليست بعيدة سيكون مثل هذا التحليل جزءا من أدوات خبراء السياسة في شتى أنحاء العالم.